الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ الطيب بن الشيخ محمد المبارك الجزائري الدلسي المالكي
العالم الفاضل والهمام الكامل، عمدة زمانه ونخبة أقرانه.
ولد سنة ألف ومائتين وخمس وخمسين تقريباً ونشأ في حجر والده، فتعلم القرآن وجوده وحفظه وأتقنه، وأجاد الخط، وقرأ الفنون من العلوم على سادة أفاضل، منهم عمدة الأنام، وكعبة الإسلام، جهبذ الأفاضل، وينبوع الفضائل والفواضل، العارف بالله الأمير السيد عبد القادر الجزائري الحسني، فكنا نحضر وإياه مع من حضر كتاب الفتوحات المكية، وغيرها من كتاب السادة الصوفية، وقرأ على العالم اللوذعي، والسميدع الألمعي، شيخنا الشيخ محمد بن مصطفى الطنطاوي فنوناً متعددة، وقرأ على غيرهما من السادة المالكية، وأجازوه بالإجازة العامة. وله ذكاء وحفظ مع طلاقة لسان وطلاوة في الكلام، وحسن معاشرة ولين جانب، وخضوع ولطف وزهادة، وقناعة وجود وكرم نفس، ومهابة وقبول، وأفكار عالية وفهم جيد في كلام القوم. وفي عام اثنين وثمانين حينما شرف شيخنا الأستاذ السيد محمد الفاسي الشاذلي أخذ عنه الطريقة الشاذلية، وبعد اشتغاله مدة في الطريق أذن له في الإرشاد، وإعطاء الطريق، فأرشد وأحسن في إرشاده، وأعطى الطريق وأقام الأذكار في الليل والنهار، وأكثر من السياحة في خدمة الطريق، وانتفع منه البعيد والصاحب والرفيق، وعرف بين الناس واشتهر باللطف والإيناس.
وفي سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين أرسله حضرة الأمير عبد القادر الجزائري مع حضرة شيخنا الطنطاوي إلى مدينة قونية لمقابلة الفتوحات المكية على خط مؤلفها العارف بالله الشيخ محي الدين العربي وقرأها مع الشيخ المذكور هناك مرتين مقابلة، وبعد مجيئهما قرأناها جميعاً على الأمير المرقوم مع التزامنا لإصلاح نسخنا على النسخة المقابلة على خط المؤلف. ومما نظمه وأسمعني إياه من لفظه:
سلوي عن الأحباء حرمه الحب
…
فإن هجروني فالعذاب بهم عذب
وهيهات يوماً أن أميل إلى السوى
…
وكيف وقلبي مدنف بهم صب
فإن حدثوا أروي الحديث بسائري
…
فنعم الشفا ذكر الأحبة والطب
فلله عيش قد تقضى بقربهم
…
وكأس الهنا صاف ومغنى اللقا رحب
سقوني شراب الأنس صرفاً مقدساً
…
عن المزج لما أن تمزقت الحجب
فقالت سليمى قر عيناً بما ترى
…
وطب في الهوى نفساً فقد حصل القرب
ألم تدر أن الوصل أضحى مقامه
…
عزيزاً رفيعاً لا تطاوله الشهب
حمانا منيع دونه الحتف يا فتى
…
وإن الهوى مرقاه مستوعر صعب
فكم مغرم أضحى معنى ولم يفز
…
بنظرة إسعاف بها يسكن القلب
تؤجج نار الوجد بين ضلوعه
…
وأجفانه مثل الغمام لها سكب
يرى روحه تنحط قدراً بلمحة
…
وإن عدها يوماً لعمري هو الذنب
فمن شاء أن يحيا ويحظى بنظرة
…
فبي فليمت وجداً وإلا فلا يصبو
وله نظم له حلاوة وعليه طلاوة، وله شغف كثير بالسماع والنساء لو تيسر له لدخل في كل ليلة على كاعب عذراء. ويحب التجمل في الملبس وغيره، وهو ذو تودد وتحبب كثير السؤال عن إخوانه وأخلائه وأخدانه، يعاشرهم أحسن المعاشرة، ويلاطفهم أجمل الملاطفة. ولم يزل يفحل أمره ويعظم قدره، إلى أن توفي يوم الاثنين تاسع وعشرين كانون الثاني وسادس وعشرين من شعبان عام ألف وثلاثمائة وثلاثة عشر ودفن في سطح لمزن قرب الجبل رحمه الله تعالى.