الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السيد محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم عابدين
الدمشقي
هو الشيخ الإمام العالم العلامة، والجهبذ الفهامة، قطب الديار الدمشقية، وعمدة البلاد الشامية والمصرية. المفسر المحدث الفقيه النحوي اللغوي البياني العروضي الذكي النبيه. الدمشقي الأصل والمولد، الحسيب النسيب الشريف الذات والمحتد، ابن السيد عمر الشهير بابن عابدين الحسيني إمام الحنفية في عصره، والمرجع عند اختلاف الآراء في مصره. صاحب التآليف العديدة والتصانيف المفيدة، منها حاشيته الشهيرة رد المحتار على الدر المختار، التي اشتهرت في سائر الأقطار، في خمس مجلدات كبار. ومنها ثبته المشهور الفائق. ومنها منحة الخالق على البحر الرائق، وحواشيه على شرح الملتقى للعلائي، وحواشيه على النهر الفائق، وحواشي على القاضي البيضاوي التزم أن لا يذكر فيها شيئاً ذكره المفسرون. وحواشي على حاشية الحلبي على الدر تتبع فيها المحشي المذكور، سماها رفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدر المختار. والعقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية. وحاشية على المطول. والرحيق المختوم شرح قلائد المنظوم في الفرائض، وتنبيه الولاة والحكام في حكم شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام. وشرح على رسالة البركوي سماها ذخر المتأهلين، وشرح على منظومة رسم المفتي.
وله من الرسائل في تحرير المسائل نيف وثلاثون رسالة معلومة في ثبته فمن أرادها فليراجعها. وله قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسلها ضمن مكتوب للحضرة الشريفة النبوية صحبة ركب الحاج الشريف سنة عشرين ومائتين وألف، لكي تقرأ أمام الحضرة الشريفة المحمدية، وهي:
لبيك يا قمرية الأغصان
…
فلقد صدعت القلب بالألحان
لبيك يا من بالبكا أشبهتني
…
لكن بلا فقد من الخلان
نوحي فنوحي في بحار مدامعي
…
تعلو سفينته لدى الطوفان
وترنمي واحيي فؤاد معذب
…
بتذكر الأحباب في نيران
إن رمت كتمان الهوى متكلفاً
…
هيجت مني بالبكا أشجاني
حتى حكت مني الدموع سوافحا
…
غيثاً همى بدعاء ذي عرفان
يا صاحبي أليس يعذر بالبكا
…
صب كئيب نازح الأوطان
يقضي الليالي بالهموم وبالأسى
…
مكسور قلب زائد الأحزان
أي والذي هو عالم بضمائري
…
ليحق لي أبكي مدى الأزمان
فلقد مضى عمري القصير ولم أفز
…
بزيارتي أرض اللوى والبان
بالله هل تريان أسعد لحظة
…
وأخوض رمل أولئك القيعان
وأشم نفح الطيب من أرض الحبي
…
ب وترجع الأرواح للأبدان
وأخب في أرض الحجاز ويا رعى
…
مولاي عهد أولئك الكثبان
أرض من المسك العبير تكونت
…
والنور جللها كما الهيمان
وازم مع حادي المطي قلائصا
…
إشراقها تغني عن الأرسان
سكرت بترنام الحداة فما درت
…
كم مهمه قطعت من الوجدان
عنقاً فسيحاً سيرها من وجدها
…
وتحنّ باكية بدمع قان
وتكاد تستبق الهوادي أرجل
…
منها تسير بسيرة العجلان
لم تعرف الإدلاج والتعريس مذ
…
كانت تئن بأنة اللهفان
حتى طوت أرض الحجاز وشاهدت
…
أنوار طيبة مورد الظمآن
وأتت إلى أرض السفوح ترومها
…
وتطيبت بالروح والريحان
يا نوق سبحان الذي أدناك من
…
أرض الحبيب وجل من أقصاني
في كل عام تبلغين مقاصداً
…
وتشاهدين منازل القرآن
والحظ يقعدني وسوء الفعل ير
…
ميني بإشراك الزمان الجاني
أواه من جور الزمان وظلمه
…
فلقد تجاوز غاية الطغيان
كيف السبيل إلى النجاة ونيلها
…
من شر دهر غادر خوان
مالي من الأهوال حسن تخلص
…
إلا بمدحي المصطفى العدنان
خير الخلائق سيد الرسل الكرا
…
م وما له في فضله من ثاني
يا خير من ركب المطي وأكرم ال
…
كرما ببذل الجود والإحسان
يا منبع الأنوار يا شمس العلا
…
يا منبع الإسلام والإيمان
يا من رقى أوج السما وعلا على
…
أعلا العلى بترفع جثماني
ودنا الرحمن عز وجل قر
…
ب مكانة من غير قرب مكان
والجذع حن تشوقاً لفراقه
…
والضب جاء مسلماً بلسان
تالله مثلك ما رأت عين ولا
…
أذن وعت في حادث الأزمان
قد كان جيد الدهر قبلك عاطلاً
…
حيناً وقد حليته بجمان
قد جئت فرداً والأعادي جمة
…
وأتيت بالتمييز والرجحان
لم تخش في التبليغ لومة لائم
…
حاشاك من زيغ ومن نقصان
وترى إذا حمي الوطيس مشمراً
…
عن ساق عزم فارس الفرسان
أطدت أركان الشريعة بعد ما
…
هدمت فعادت أعدل الأركان
وبنيت بنياناً رصيناً محكماً
…
وهدمت أس عبادة الأوثان
وهديت أهل الأرض بعد ضلالة
…
كانوا بها من نزغة الشيطان
وجليت سحب الفكر عن أفق الهدى
…
ومحوت ليل الزور والبهتان
تالله ما الشمس المنيرة في الضحى
…
والبدر ليلة سبعة وثمان
بأجل هدايا أو سنا مما به
…
قد جئت أو يدنوه بالبرهان
لا تدرك الألفاظ منك مدى ولو
…
أبدى الثناء عليك كل لسان
هل تدرك المداح وصف من الذي
…
أثنى عليه الله في القرآن
هذا الكريم بن الكريم بن الكر
…
يم بن الكريم عطية المنان
هذا نبي الله خير عباده
…
زين الخلائق نخبة الأعيان
هذا شفيع المذنبين ملاذهم
…
يوم القيمة صفوة الرحمن
وبه تلوذ الأنبياء جميعهم
…
حتى الكليم ومكرم الضيفان
كن لي مغيثاً يا شفيعاً بالورى
…
يوم الزحام وخفة الميزان
إن لم تكن لي يوم لا مال ولا
…
ولد ولا من والد يرعاني
فلباب من آتي وليس مشفعاً
…
إلا جنابك يا مغيث العاني
فلأنت باب الله واسطة الرجا
…
أنت الوسيلة والقريب الداني
أنت الملاذ لنا وأنت عياذنا
…
أنت المشفع بالمسيء الجاني
أشكو إليك قساوة القلب الذي
…
كالصخر في لج الردى أرساني
أرجوك تلحظني ختام الأنبيا
…
ء بلحظة أغدو بها بأمان
وكذاك لي أبوان مع شيخ غدا
…
لي ناصحاً بالجهد قد رباني
يرجون منك تسامحاً وشفاعة
…
تنجيهم من لاعج النيران
وصلاة باريك المهيمن والسلا
…
م كما الغيوث عليك كل أوان
مع آلك الغر الكرام وحزبهم
…
من قد علوا شرفاً على كيوان
وعلى ضجيعيك الإمامين الجلي
…
لين اللذين هما لنا شمسان
السيد الصديق ذي الفضل الذي
…
ترك اللذائذ في رضى الديان
والأشجع الفاروق قهار العدا
…
ليث الحروب وقامع العدوان
وعلى ابن عفان الذي حاز العلى
…
حاوي الفضائل جامع القرآن
وعلى علي ذاك عالي القدر من
…
قد كان بحر العلم والعرفان
وعلى بقية صحبك الغر الكرا
…
م وتابعيهم في مدى الأكوان
وأبي حنيفة ذي الفخار ومالك
…
والشافعي وأحمد ذي الشان
ولاتابعين لهم وأقطاب الوجو
…
د وصاحب الوقت القريب الداني
لا سيما ختم الولاية من به
…
فاز الوجود معطر الأردان
واختم لناظمها إلهي بالرضى
…
والعفو والإحسان والغفران
وقوله أيضاً يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أشكو إلى الله ما ألقاه من نصب
…
مستشفعاً بشفيع الخلق كلهم
محمد من محا المولى ببعثته
…
ليل الضلال يصبح طارد الغسم
فقام يدعو بأمر الله مبتدراً
…
بالنصر متزراً في أرفع الهمم
حتى غدت ملة الإسلام ظاهرة
…
ظهور نار بدت ليلاً على علم
مؤيداً بكتاب باهر عجزت
…
عنه ذوو اللسن مثل الدر منتظم
ومعجزات توالت قبل مبعثه
…
فكان يبصرها بالعين كل عمي
فالضب كلمه والجذع حن له
…
والبدر شق له من باهر الحكم
والشمس قد وقفت من بعد ما غربت
…
والسحب قد وكفت لما دعا بفم
والماء من كفه قد طاب منبعه
…
فكان أعظم ماء سائغ شبم
بتفلة لعلي مذ شكا رمداً
…
لم يشك من بعدها في العين من ألم
وقد كفى الألف من صاع الشعير وقد
…
حلا وزاد بتفل ماء بئرهم
أروى ثلاثين ألفاً في تبوك بما
…
ء ليس يروي سوى شخص من الأدم
سراقة خلفه ساخت قوائمه
…
وكم أباد من الأعداء كل كمي
وفي حنين رمى بالترب أعينهم
…
ففر جحفلهم مع جملة الريم
كذا رمى ملأ راموا المحال فمن
…
أصيب كان ببدر آخر العصم
ومذ حكى بعضهم بالهزؤ مشيته
…
ما زال مرتعشاً للموت ذا ندم
ومذ أوى الغار والصديق صاحبه
…
فالعنكبوت غدا بالنسج ذا همم
وبين قوم ذراع الشاة حدثه
…
عن سمه بكلام غير منبهم
وعن مصارعهم في القتل أخبر في
…
بدر فكان كما قد قال ذو العصم
وعاش فرداً أبو ذر ومات كذا
…
طبقاً لأخباره الخالي عن التهم
نعى النجاشي وكسرى يوم موتهما
…
وقد كفى عدداً من كف تمرهم
وقد رأى أنس طبقاً لدعوته
…
مالاً وعمراً وأولاداً من الخدم
قتادة عينه من بعد ما سالت
…
عادت بأحسن ما كانت من القدم
كذاك عين علي مذ شكت رمداً
…
بالتفل في دهرها لم تشك من ألم
ورب كف له فيها الطعام غدا
…
مسبحاً والحصا من أعظم الشيم
وكم له معجزات غيرها ظهرت
…
تربو على النجم في عد وفي عظم
فاق النبيين في علم وفي عمل
…
لذا غدا بينهم كالمفرد العلم
من مثله وإله الخلق خاطبه
…
فوق الطباق وجبريل من الخدم
ولا يفي عشر ما قد حاز من شرف
…
ذوو المديح وما قد نال مكرم
كالدهر في همم والطود في عظم
…
والبحر في كرم والدر في كلم
منيع حصن ولو البدر استجار به
…
في ليلة التم بالنقصان لم يضم
لو كان في فضله شخص يشابهه
…
لقلت مثل كذا للسائل الفهم
يكاد من يمنه يجلي الظلام به
…
ولو من الدهر من ضر ومن نقم
فليس بعد الذي في النجم من عظم
…
ومبعد ما في الضحى مع نون والقلم
فمبلغ العلم فيه أنه بشر
…
وأنه خير خلق الله كلهم
فيا رسولاً به الرحمن أنقذنا
…
وقد حمانا بركن غير منهدم
يا خاتم الأنبياء الغر يا سندي
…
يوم الزحام إذا ما الخلق في غمم
يا من إذا لاذ مأسور الذنوب به
…
غداً، غدا آمناً كالصيد في الحرم
وإنني بت في كرب بنازلة
…
غدت بكلكلها تسطو على سقمي
ألم بي بأسها الضاري فآلمني
…
وجل صبري غدا من أوهن الرمم
والدهر جار على ضعفي ولا جلد
…
به يكون اتقاء الحادث العمم
قرعت بابك أرجو الله يرحمني
…
فأنت غوث الندا حصن لمعتصم
وقد رجوتك في التفريج من كرب
…
فأنت بر رؤوف ظاهر الشيم
وأنت أقبل من ترجى شفاعته
…
عند الإله وأرعى الناس للذمم
حاشا يخيب رجائي من جنابك يا
…
من عم بعثك جوداً سائر الأمم
أعطيت جاهاً عريضاً لا مرام له
…
وعم بعثك جوداً سائر الأمم
والكون من أجلك الرحمن أبرزه
…
وجعل جودك فينا غير منفصم
إني محب وإن قصرت من طمعي
…
وحسن ظني برب واسع الكرم
وقد غدوت من الزلات في خجل
…
وقد قرعت عليه السن من ندم
بلغت جهدي بمدح فيك أنظمه
…
أرجو شفاعتك العظمى بمزدحم
عساك تحنو على ضعفي إذا نشرت
…
صحيفتي عند ربي بارئ النسم
حيث النبيون في رعب وفي وجل
…
جثوا على ركب من بطش منتقم
وأنت تسجد حتى أن يقال فقم
…
سل تعط واشفع تشفع نافذ الكلم
فتخرج الناس من حر الزحام ومن
…
حر السعير وقد صاروا كما الحمم
إقبل هدية نجل العابدين فقد
…
غدا بمدحك معدوداً من الخدم
صلى عليك إله الخلق ما كشفت
…
بك الكروب وزاحت ظلمة الغمم
وآلك الغر والأصحاب أجمعهم
…
من ارتجي بنداهم حسن مختتم
وله معمى في عبد الغني
يا بديع الجمال يا ذا التثني
…
لحظك الجؤزري سبا العقل مني
إنني فيك لم أزل ذا هيام
…
وأنا رقك الغ هجري وصلني
وله في سعيد
رب حسناء ما لها من شبيه
…
حين ترنو بالعارض المصقول
أسعدت أرباب الهوى بوصال
…
يوم عيد من بعد سلب العقول
وله في نار
سباني كحيل المقلتين بلحظه
…
وما زال من حظي بوصلي ضنينا
فيا نفس صبراً من قساوة قلبه
…
فبدري بلا يد عسى أن يلينا
وله في غلام
بأبي أحور اللواحظ ألمى
…
ما روى لي من الوصال غليلا
مال بالقلب بعد لثغة راء
…
تيمتني وصيرتني عليلا
وله في دخان قهوة
بعذار له وخال سباني
…
وسقاني فوق الضنا كأس صده
عم دون العذار بالند خالا
…
فهو بالخال حاز غاية قصده
وله:
يا ذا القوم السمهري ومن
…
قد زال من شغفي به رسمي
أمنن علي بضم خصرك إذ
…
ضمي له يحيا به جسمي
جسمي كخصرك في النحول وذي
…
جنسية هي علة الضم
وله
مرت مواشط نسمة الأسحار
…
كيما ترجل جمة الأشجار
والقطر جللها بسندس برده
…
وتزينت بلآلئ الأزهار
والنهر صفق والطيور ترنمت
…
في غصنها من نغمة الأوتار
وله ملغزاً
فما اسم ثلاثي إذا عد لفظه
…
قريب بعيد يختفي ثم يظهر
له رتبة علياء عزّ ارتقاؤها
…
وحسن بلا غين له العين تبصر
وفي محكم القرآن قد جاء ذكره
…
بوصف به قد جاء يزهو ويزهر
ومن ضل عن رشد له كان هادياً
…
ويسلو به ذو لوعة حين يسمر
ويسحب ذيلاً حين يسطو على العدا
…
كرمح به نار الحشاشة تسعر
إذا ما تهجيت الحروف فصدره
…
ومبدؤه عن عجزه متأخر
ويبدو لنا من قلبه جنة العدا
…
بها نتقي المكروه منهم وننصر
ويبدو لنا أيضاً حديث عن الذي
…
غدا لا يبالي بالذي منه يصدر
وإن كنت يوماً طارحاً ثلث أصله
…
ففي غور نجد ما بقي منه ينظر
وإن قلب الباقي تراه حديث من
…
به لعب الشيطان أو كان يسخر
ويبدو إذا صحفته فعل من غدا
…
عطوفاً على صب له كان يهجر
ومن أصله إن كان قد بال صدره
…
تراه أتى جما من الناس يكثر
وله
ومن عادة الأيام رفعة جاهل
…
وما حقت العلياء إلا لعارف
عفونا عن الأيام عن كل ما مضى
…
بعصمة أفعال تسامت بعارف
وله غير ذلك من النظم والمراثي والتهاني والمديح والقواعد والضوابط رحمه الله تعالى آمين ولنكتف بهذا المقدار وإن كان قطرة من بحر أو شذرة من عقد نحر.
ولد رحمه الله تعالى سنة ثمان وتسعين ومائة وألف بدمشق ونشأ بها وقرأ القرآن ثم جوده على الإمام القدوة الشيخ سعيد الحموي شيخ القراء بها، وقرأ عليه الميدانية والجزرية والشاطبية بعد ما حفظها قراة تدبر وإمعان وبحث وإتقان، وحفظ القرآن العظيم عن ظهر قلب، وتلقى منه القراءات بأوجهها وطرقها حتى جمع عليه. وقرأ عليه طرفاً من النحو والصرف وفقه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وحفظ متن الزبد وكان شافعي المذهب وقتئذ، ثم لزم شيخه الشيخ شاكر العقاد رحمه الله تعالى وقرأ عليه في المعقولات، وألزمه شيخه المذكور بالتحول لمذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان عليه الرحمة والرضوان، فتفقه عليه، وقرأ عليه الفرائض والحساب حتى مهر في فن الأصول والحديث والتفسير والتصوف والمعقول، وقرأ عليه في الفقه الملتقى والكنز والبحر لابن نجيم وصدر الشريعة، والدراية والهداية وبعض شروحها وغير ذلك، ثم شرع في قراءة الدر المختار على شيخه المذكور مع جماعة، من جملتهم علامة زمانه وفقيه عصره وأوانه الشيخ سعيد الحلبي، وبقي ملازماً له إلى أن اخترمته المنية رحمه
الله، ولم تتم قراءة الدر فأتمه مع بعض من حضر معه من إخوانه على الشيخ سعيد الحلبي المذكور، ضاعف الله تعالى لنا وله الأجور، وقرأ على الشيخ سعيد غير ذلك من الفقه وغيره من الفنون. وحين أتم الدر عليه استجازه فأجازه. هذا وكان شيخه السيد شاكر يتفرس فيه الخير ويأخذه معه ويحضره دروس أشياخه ويستجيزهم له فيجيزونه، وكان ذلك بإشارة حصلت له من الشيخ عبد النبي أحد علماء الهند وصلحائها المشاهير حين قدم إلى دمشق، فذهب مع شيخه لزيارته، ولما دخلا عليه جلس شيخه وبقي المترجم واقفاً بين يدي شيخه كما هو دأبه معه، فطلب الشيخ عبد النبي من شيخ سيدي المترجم أن يأمره بالجلوس، وقال له: إني لا أجلس إلا أن يجلس هذا الغلام، وقال إني أشم منه رائحة أهل البيت، وأنه ستقبل يده ويظهر فضله بين الناس وينتفع بفضله. فأمره شيخه حينئذ بالجلوس، فجلس، ومن وقتئذ زاد اعتناء شيخه به. وأحضره مرة درس شيخه العلامة شيخ الحديث الشيخ محمد الكزبري واستجازه له فأجازه، وكتب له الإجازة، وكذلك حضر دروس الشيخ أحمد العطار مع شيخه فاستجازه له فأجازه عام ستة عشر وألف ومائتين.
وفضائله لا تنكر وشمائله لا تحصى ولا تحصر، وعباداته وورعه وإقباله على الله، يقضي له بالسعادة والفوز عند مولاه. توفي رضي الله تعالى عنه سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف، عن أربع وخمسين سنة، وأقيمت عليه صلاة الموت في جامع سنان باشا، وتقدم للصلاة عليه إماماً العلامة الهمام والعمدة النخبة الإمام، علامة العصر وفرد القطر، الشيخ حامد العطار رحمه الله تعالى. ودفن بمقبرة باب الصغير بالتربة الفوقية إلى جانب قبر الإمام أبي حنيفة الصغير، العمدة العلائي صاحب الدر المختار، وقبره مشهور هناك، عليه جلالة يقصد لطلب الحوائج ويزار. رحمه الله تعالى.