الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأكابر والأعيان، وكان عائلاً ذكياً، وفيه ملكة واستحضار جيد للفروع الفقهية، وكان يكتب على الفتاوي على لسان شيخه المذكور ويتحرى الصواب، وعبارته سلسة جيدة، وكان له شغف بكتب التاريخ وسير المتقدمين، واقتنى كتباً في ذلك مثل كتاب السلوك والخطط للمقريزي وأجزاء من تاريخ العيني والسخاوي وغير ذلك، ولم يزل حتى ركب يوماً بغلته وذهب لبعض أشغاله، فلما كان بخطة الموسكي قابله خيال فرنساوي يركض قليلاً على فرسه، فجفلت بغلة السيد مصطفى المذكورة وألقته من على ظهرها إلى الأرض، وصادف حافر فرس الفرنساوي إذنه فرض صماخه، فلم ينطق ولم يتحرك فرفعوه في تابوت إلى منزله، ومات من ليلته رحمه الله تعالى، سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف من الهجرة النبوية.
الشيخ مصطفى بن محيي الدين بن مصطفى نجا الشافعي الشاذلي
شاب نشأ عل كمال الطاعة، وعالم قد اعتزل عن الابتداع والإضاعة، فلا ريب أنه البحر الزاخر والحبر الباهي الباهر، شمس فضائله لم يصبها كسوف، وقمر معارفه لم تلمسه يد خسوف، إن نثر فما أزاهر الرياض غب المزن الهاطل، أو نظم فما جواهر العقود تحلت بها الأجياد العواطل.
ولد ليلة السابع والعشرين من رمضان المبارك سنة تسع وستين ومائتين وألف، وبعد سن التمييز أخذ في تعلم القرآن العزيز، ثم طلب العلم في بيروت البهية، على جماعة من العلماء ذوي مقامات سنية، فاجتهد في الطلب وجد في نوال الأرب، إلى أن فاق أمثاله ونال آماله، ثم توجه إلى مصر بقصد المجاورة في أزهرها الشريف فلم يتيسر له ذلك، بل عاد إلى وظنه بيروت وانكب على الطلب والتحصيل مع الجد والاجتهاد والتفرغ للعبادة
حسب المراد، ولم يزل على هذا الحال سالكاً مسلك الفضل والكمال، إلى أن توفي والده وذهب عنه مساعده، فاحتاج إلى تعاطي الأسباب، فتعاطى التجارة بالعطارة، وأخذ الطريقة الشاذلية عن المرشد الكامل والهمام الفاضل، الشيخ علي نور الدين بن يشرط المغربي التونسي، أدام الله وجوده وأغدق علينا وعليه إحسانه وجوده، فاشتغل بالطريق فوق العادة وبذل في الطاعة جده واجتهاده، ولازم الإخوان في مسائه وصباحه، وسلك مسالك نجحه وفلاحه، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخدمه المريدين بالحظ الأوفر. وفي سنة أربع وثلاثمائة وألف أجازه إجازة عامة، وأذن له بتلقين الذكر وهو لهذا العهد يقيم الحضر في داره، وقد أخذ عنه كثيرون فأوضح لهم الطريقة وعلمهم كيفية السلوك إلى الحقيقة، ودعاهم إلى التمسك بالسنة والكتاب وعرفهم الفرق بين الخطأ والصواب، ومن نظمه يرد على من زعم أن التمسك بالحقيقة يغني عن اتباع الشريعة قوله:
عجباً لمن يعصي أوامر ربه
…
ويقول لست بمذنب من عجبه
ويرى خلاف الشرع تحقيقاً ولا
…
ينقاد جهلاً بالطريق لحزبه
ويقول إني مطلق من قيده
…
فدع المقيد هائماً في حجبه
ويظن مع أهل الضلال بأنه
…
عرف الهدى ودرى نهاية دربه
وبأنه ممن يحب الله قد
…
فازوا وقد سلكوا مسالك قربه
هيهات هيهات المحب حقيقة
…
والله لا يعصي أوامر حبه
والمهتدون العارفون بربهم
…
لا يجهلون وليس فيهم ما به
فاترك مصاحبة الذي هو مثله
…
تلقي الأمان من الزمان وحربه