الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(1)
.
(2)
.
(3)
.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فإن السنة لها مكانة كبيرة ومنزلة عظيمة في الإسلام، إذ هي المصدر الثاني له بعد القرآن؛ تفسر مبهمه؛ وتفصل مجمله؛ وتقيد مطلقه؛ وتخصص عامه؛ وتشرح أحكامه وأهدافه، كما جاءت بأحكام لم ينص عليها القرآن الكريم ولكنها تتمشى مع قواعده وأهدافه، ولذلك فقد أحال الله تعالى عباده المؤمنين عليها ليحكّموها في كل خلاف يشجر، وفي كل أمر يحل، وفي
(1)
سورة آل عمران. آية (102).
(2)
سورة النساء. آية (1).
(3)
سورة الأحزاب. آية (70 - 71).
كل دعوى ترفع، مع التسليم التام بكل ما تصدره من الأحكام، فقال تعالى:
(1)
.
وحث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على التمسك بِها ولزومها بقوله: "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بِها وعضوا عليها بالنواجذ"
(2)
.
هذه المكانة الكبرى والمزية العظمى للسنة جعلت السلف -من الصحابة والتابعين ومن بعدهم- يعتنون بِها أشد العناية؛ فحفظوها وفهموها ونشروها بين الناس؛ وحثوهم على التمسك بِها، واعتقاد ما جاء فيها، والالتزام بأوامرها ونواهيها، والتحلى بآدابها وأخلاقها.
وجعلوا المعول عليه في عقيدتِهم ما صح منها مع كتاب الله تعالى ولم يجعلوا معولهم على العقل المجرد كما هو حال أهل الكلام.
- ولما أُدخل في السنة ما ليس منها انتدب أهلُ العلم والحديث أنفسهم للذود عن حياضها وتمييز صحيحها من سقيمها؛ فتكلموا في الرجال بالجرح والتعديل، وأعلنوا أن الإسناد من الدين، وألفوا الكتب والمصنفات في بيان الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة، كل هذا حفاظًا على هذه السنة التي هي الوحى الثاني بعد القرآن، كما قال تعالى:
(1)
سورة النساء. آية (65).
(2)
أخرجه من حديث العرباض بن سارية أبو داود (عون 12/ 234) ح (4594) والترمذى (تحفة 7/ 438) ح (2815) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه (1/ 15) ح (42) وأحمد في مسنده (5/ 109) ح (16692) وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (3/ 871) ح (3851).
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه"
(2)
.
ولكن أعداء السنة ما فتئوا يكيدون لها؛ فذهبوا يرمونَها بالتناقض والتعارض؛ ويضربون بعض نصوصها ببعض، ويشككون في صحة أحاديثها الصحيحة وما تضمنته من المعاني الفريدة -خاصة ما يتعلق منها بالعقيدة- متذرعين بسيل جارف من الشبهات، وبحر متلاطم من البدع والخرافات، فردوا أخبار الآحاد، وزعموا أن أدلة العقيدة لا بد أن تكون قطعية الثبوت حتى تفيد اليقين؛ فلا يقبل منها إلا ما كان من القرآن أو ما تواتر من السنة، وهذا بلا شك منهج خطير أرادوا أو أراد بعضهم منه إيجاد العراقيل والحواجز بين المسلمين وبين مصادرهم الأصلية، ولكن علماء السنة وفرسان الشريعة وحراس الملّة كانوا لهم بالمرصاد فأبطلوا شبهاتِهم
(3)
وأبانوا زيفها وضلالها، وأزاحوا الستار عن خطرها وكيدها، فأيقظوا بذلك أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وجملة القول أن القرآن والسنة هما المصدران الأساسيان للإسلام اللذان لا
(1)
سورة النجم. آية (3، 4).
(2)
أخرجه من حديث المقداد بن معد يكرب: أبو داود (عون 12/ 231) ح (4591) والترمذى نحوه (تحفة 7/ 426) ح (2801) وابن ماجه (1/ 6) ح (12) وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (3/ 870) ح (3848).
(3)
انظر: هذه الشبه والرد عليها في كتاب: درء التعارض لشيخ الإسلام ابن تيمية، والروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم للإمام ابن الوزير، والأنوار الكاشفة للعلامة عبد الرحمن المعلمي، والسنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للشيخ مصطفى السباعى، ودفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة، وزوابع في وجه السنة لصلاح الدين مقبول، والسنة وحجيتها ومكانتها في الإسلام للدكتور محمد لقمان السلفى، وموقف المدرسة العقلية من السنة النبوية للأمين الصادق الأمين.
غنى للأمة عنهما في معرفة العقائد والأحكام والعبادات والمعاملات وغيرها من أمور المعاش والمعاد.
- ومن هنا تبرز أهمية هذا الموضوع حيث إنه يتعلق بالمصدر الثاني من مصادر الدين الإسلامى في أصح كتبه بعد القرآن وهما صحيحا البخاري ومسلم اللذان تلقتهما الأمة بالقبول
(1)
، وفي أهم جانب من جوانب الدين الإسلامى ألا وهو جانب العقيدة، فيبحث في تلك الأحاديث التي توهَّم بعض الناس فيها التعارض والاختلاف -والتي ربما تعلق بِها من رام هدم الدين والتشكيك في مصادره الأصلية- فيسهم في إزالة هذا التعارض المتوهم، وذلك حسب القواعد والأسس التي رسمها أهل العلم لدفع التعارض.
وثَمة أسباب أخرى كانت وراء اختياري لهذا الموضوع ليكون هو بحثى لنيل درجة الماجستير منها: -
1 -
أن النظر في الأحاديث التي يوهم ظاهرها التعارض -خاصة ما يتعلق منها بالعقيدة- ودفع التعارض عنها له أهمية بالغة عند أهل العلم ولذلك قال النووي: "هذا فن من أهم الأنواع ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف"
(2)
.
2 -
أهمية الصحيحين والعناية بما اشتملا عليه من المباحث العقدية وذلك لاتفاق الأمة على تقديمهما وتلقيهما بالقبول.
(1)
انظر: المبحث السادس من التمهيد ص (56).
(2)
التقريب مطبوع مع شرحه تدريب الراوى (2/ 180).