الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثاني:
أن يضاف إلى السبب المخلوق، كقوله تعالى:{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}
(3)
.
الوجه الثالث:
أن يحذف فاعله كقوله تعالى حكاية عن الجن: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}
(4)
،
(5)
.
مسألة: هل يقال إن الله مريد للشر
؟
الجواب عن ذلك:
أنه لا يمكن إطلاق القول بإرادة الله للشر لا نفيًا ولا إثباتًا لأن أهل السنة والجماعة يُفَصلون في ذلك ويقسمون الإرادة إلى قسمين:
أحدهما: الإرادة الكونية والتي بمعنى المشيئة ومن أمثلتها: -
قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ}
(6)
.
ثانيهما: الإرادة الشرعية والتي بمعنى المحبة ومن أمثلتها: -
قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}
(7)
، وقوله تعالى:{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ .. }
(8)
.
(3)
سورة الفلق. آية (2).
(4)
سورة الجن. آية (10).
(5)
انظر مجموع الفتاوى (14/ 266)(17/ 94) شفاء العليل (2/ 261) شرح العقيدة الطحاوية (517) عقيدة السلف وأصحاب الحديث (285) الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية لابن فياض (354).
(6)
سورة هود. آية (34).
(7)
سورة البقرة. آية (185).
(8)
سورة النساء. آية (27).
والفرق بين الإرادتين:
1 -
أن الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع، سواءً أحبه الله أم كرهه، وأما الإرادة الشرعية فتتعلق فيما أحبه الله سواءً وقع أم لم يقع.
2 -
الإرادة الكونية يتعين فيها وقوع المراد، وأما الإرادة الشرعية فلا يتعين فيها وقوع المراد
(9)
.
وبناءً على هذا التفصيل نقول: إن الله تعالى أراد الشر والكفر والمعاصي كونًا وقدرًا، لكنه لم يردها شرعًا لأنه تعالى لا يحبها ولا يرضاها كما قال عز وجل:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}
(10)
.
قال ابن القيم رحمه الله: "وتحقيق القول في ذلك: أنَّه يمتنع إطلاق إرادة الشر عليه وفعله، نفيًا وإثباتًا لما في إطلاق لفظ الإرادة والفعل من إيهام المعنى الباطل، ونفى المعنى الصحيح، فإن الإرادة تطلق بمعنى المشيئة وبمعنى المحبة والرضا"
(11)
.
وقال أيضًا: "فإذا قيل هو مريد للشر أوهم أنَّه محب له راض به، وإذا قيل إنه لم يرده أوهم أنه لم يخلقه ولا كوَّنه وكلاهما باطل"
(12)
.
وقد ضل في هذه المسألة فريقان من الناس:
أحدهما: المعتزلة القدرية.
وثانيهما: المجبرة الجهمية.
أما الأولى فقالت: إن الشر والكفر والمعاصي لا يحبها الله ولا يرضاها
(9)
انظر مجموع الفتاوى (8/ 159، 476، 440) شفاء العليل (1/ 142) شرح العقيدة الطحاوية (79).
(10)
سورة الزمر. آية (7).
(11)
شفاء العليل (2/ 260).
(12)
شفاء العليل (2/ 260).
فهى واقعة بغير مشيئته تعالى وإرادته.
وقالت الجبرية: بل هى واقعة بمشيئة الله تعالى وإرادته وعلى هذا فهو يحبها ويرضاها.
ومنشأ ضلال هاتين الفرقتين هو: التسوية بين المشيئة وبين المحبة والرضا، فقالت الجبرية: الكون كله بقضاء الله وقدره فيكون محبوبًا مرضيًّا، وقالت القدرية النفاة: ليست المعاصى محبوبة لله ولا مرضية له فليست مقدرة ولا مقضية فهى خارجة عن مشيئته وخلقه
(13)
.
قال القاضي عبد الجبار: "المحبة والرضا والإرادة من باب واحد بدلالة أنَّه لا فرق بين أن يقول القائل: أحببت أو رضيت، وبين أن يقول: أردت، حتى لو أثبت أحدهما ونفى الآخر لعد متناقضًا"
(14)
.
وقال شيخ الإسلام: "وجهم ومن وافقه من المعتزلة اشتركوا في أن مشيئة الله ومحبته ورضاه بمعنى واحد، ثم قالت المعتزلة: وهو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان فلا يشاءه فقالوا إنه يكون بلا مشيئة.
وقالت الجهمية: بل هو يشاء ذلك فهو يحبه ويرضاه"
(15)
.
والحق في ذلك هو التفريق بين المشيئة وبين المحبة والرضا كما قد دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والعقل والفطرة الصحيحة وإجماع المسلمين
(16)
.
* * *
(13)
انظر شرح العقيدة الطحاوية (324).
(14)
شرح الأصول الخمسة (464).
(15)
مجموع الفتاوى (8/ 474).
(16)
انظر هذه الأدلة في مدارج السالكين (1/ 277) شرح العقيدة الطحاوية (324).