الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالفؤاد
(20)
. مما يدل على أنه لم يرد بالاطلاق إثبات الرؤية البصرية وإنما أراد الرؤية الفؤادية والله أعلم.
3 -
ومما يؤيد ذلك أيضًا ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه وإنما رآه بقلبه"
(21)
فإن صح هذا فهو قاطع فيما نُسب لابن عباس.
4 -
أنني لم أجد حسب اطلاعي وبحثي -المتواضع- مَن صرح بنفي الرؤية الفؤادية بل إن بعض الذين يثبتون الرؤية البصرية قد صرحوا بإثبات الرؤية الفؤادية
(22)
.
-
مناقشة أدلة المثبتين للرؤية البصرية:
1 -
أما ما استدلوا به من قول ابن عباس رضى الله عنهما: "أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم" وغيره مما ورد فيه عن ابن عباس إطلاق الرؤية فقد سبق بيان ذلك وأنه محمول على ما ورد عنه من الروايات المقيدة للرؤية بالفؤاد، ومثل هذا يُقال فيما ورد عن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما، لأن إطلاقهما للرؤية ليس فيه أنهما أرادا الرؤية البصرية.
2 -
وأما ما استندوا إليه من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما للآيات في سورة النجم -وهي قوله تعالى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} - بأن المرئى فيها هو الله تعالى، فإنه معارض بتفسير ابن مسعود للآية الأولى وكذا أبي هريرة وعائشة للآية الثانية وقد رفعت عائشة هذا التفسير إلى
(20)
انظر ص (304، 311).
(21)
ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح وعزاه لابن مردويه، وأخرجه الدارقطني في الرؤية (354) برقم (28) وحكم المحقق على إسناده بالضعف.
(22)
انظر: فتح الباري (8/ 608).
النبي صلى الله عليه وسلم بأن المرئي هو جبريل عليه السلام، ثم لو سلمنا جدلًا أن الصواب مع ابن عباس رضي الله عنهما في أن المراد بالمرئي هو الله تعالى، فإنه ليس فيه إثبات الرؤية البصرية، لأن الرواية عن ابن عباس في هذه الآيات إما مطلقة وإما مقيدة بالفؤاد وليس فيما ثبت عنه من الروايات التصريح بالرؤية البصرية.
3 -
وأما ما رواه ابن عباس بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأيت ربى تبارك وتعالى" فإنه مختصر من حديث المنام
(23)
كما بيَّن ذلك ابن كثير
(23)
حديث المنام هذا جاء من عدة طرق عن عدد من الصحابة كابن عباس ومعاذ بن جبل وأنس وعبد الرحمن بن عائش وأبي أمامة الباهلى وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر وثوبان وأبي هريرة وأبي رافع وجابر بن سمرة وأبي عبيدة بن الجراح، وهو بمجموع هذه الطرق حديث صحيح صححه جمع من أهل العلم والحديث. قال ابن منده في الرد على الجهمية (91):"وروي هذا الحديث عن عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونقلها عنهم أئمة البلاد من أهل الشرق والغرب". وقال الذهبي في السير (2/ 167): "فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة". ونص هذا الحديث من طريق معاذ -والذى هو أصح الطرق-: عن معاذ بن جبل قال: احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداةٍ من صلاة الصبح حتي كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعًا فثوَّب بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجوَّز في صلاته، فلما سلَّم دعا بصوته فقال لنا:"على مصافكم كما أنتم" ثم انفتل إلينا فقال: "أما إني سأحدثكم ما حبسنى عنكم الغداة، أنَّى قمت من الليل فتوضأت فصليت ما قُدِّر لي، فنعست في صلاتي فاستثقلت فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد، قلت: ربي لبيك، قال: فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا أدري ربِّ، قالها ثلاثًا، قال فرأيته وضع كفه بين كَتِفَيَّ، قد وجدت برد أنامله بين ثديَيَّ فتجلَّى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمد، قلت: لبيك ربِّ، قال: فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: ما هُنَّ؟ قلت مشي الأقدام إلى الجماعات والجلوس في المساجد بعد الصلاة وإسباغ الوضوء في المكروهات، قال: ثم فيمَ؟ قلت: إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة بالليل والناس نيام، قال: سَلْ، قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنةً في قومٍ فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عملٍ يقرب إلى حبك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّها حق فادرسوها ثم تعلموها" أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وذكر أن البخاري صححه، انظر سنن الترمذى (تحفة 9/ 107) وأحمد في المسند (6/ 323) ح (21604) وابن خزيمة في التوحيد (2/ 540) ح (320) والحاكم مختصرًا (1/ 702) ح (1913) وانظر للوقوف على طرق هذا الحديث: =
وغيره
(24)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا الحديث لم يكن ليلة المعراج، فإن هذا الحديث كان بالمدينة، وفِى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نام عن صلاة الصبح ثم خرج إليهم وقال: "رأيت كذا وكذا" وهو من رواية من لم يصل خلفه إلا بالمدينة .. والمعراج إنما كان من مكة باتفاق أهل العلم وبنص القرآن والسنة المتواترة كما قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}
(25)
فعُلم أن هذا الحديث كان رؤيا منام بالمدينة كما جاء مفسرًا في كثير من طرقه: أنه كان رؤيا منام -مع أن رؤيا الأنبياء وحي- لم يكن رؤيا يقظة ليلة المعراج"
(26)
.
= الرؤية للدارقطني (308 - 342) والتوحيد لابن خزيمة (2/ 533 - 544) واختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى لابن رجب تحقيق جاسم الفهيد (هامش 34 - 36) والقول المبين في إثبات الصورة لرب العالمين للشيخ سليمان العلوان (7) وما بعدها، والشريعة للآجري تحقيق الدميحي (هامش 3/ 1547 - 1548).
وهذه الأحاديث عن هذا الجمع من الصحابة رضوان الله عليهم تفيد أن الله تعالى قد يُرى في المنام لكن ليس على حقيقته التي هو عليها الآن سبحانه وتعالى.
قال الدارمي في النقض على المريسي (2/ 738): "وفي المنام يمكن رؤية الله تعالى على كل حال وفي كل صورة".
وقد نقل القاضي عياض اتفاق العلماء على جواز رؤية الله في المنام وصحتها. انظر: إكمال المعلم (7/ 220) مسلم بشرح النووي (15/ 31) فتح الباري (12/ 387).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد يَرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحًا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق" مجموع الفتاوى (3/ 390).
(24)
انظر ص (311) هامش (34) من هذا المبحث.
(25)
سورة الإسراء. آية (1).
(26)
مجموع الفتاوى (3/ 387).
4 -
وأما ما استدل به الهروي وغيره من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى:
{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} بقوله: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، فليس فيه دليل على أنه أراد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه لأنه لم يذكر متعلق الرؤية.
قال سفيان ابن عيينة وهو أحد الرواة لهذا الأثر: "ليس الخبر بالبيِّن أيضًا: أن ابن عباس أراد بقوله (رؤيا عين): رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه بعينه"
(27)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذه (رؤيا الآيات) لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج فكان ذلك فتنة لهم حيث صدقه قوم وكذبه قوم ولم يخبرهم بأنه رأى ربه بعينه، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه"
(28)
.
ولذلك فإن هذا الدليل لا يُسلم به حتى بعض أصحاب هذا القول
(29)
.
5 -
وأما قولهم: إن ابن عباس أثبت شيئًا نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي، فإن هذا صحيح فيما كان الأصل فيه الإثبات، أما هنا فالأصل النفي، ولا بد لتقديم الإثبات عليه من دليل قاطع، كيف وقد قام الدليل على النفي كما تقدم.
وأما مذهب التوقف فبابه واسع وهو كما قال الذهبي: "وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها"
(30)
.
(27)
التوحيد لابن خزيمة (2/ 494).
(28)
مجموع الفتاوى (6/ 510).
(29)
انظر التوحيد لابن خزيمة (2/ 492).
(30)
سير أعلام النبلاء (2/ 167) وانظر (10/ 114).