الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني مذاهب العلماء تجاه هذا التعارض
الكلام على هذه المسألة يمكن تقسيمه إلى قسمين:
القسم الأول: توجيهات أهل العلم لأحاديث الوعد:
قبل ذكر مسالك أهل العلم في أحاديث الوعد لا بد من بيان:
- أن الإجماع منعقد على ما دلت عليه النصوص الكثيرة من أنه لا بد أن يدخل النار قوم من أهل القبلة، ثم يخرجون منها كما نطقت بذلك أحاديث الشفاعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وأما من جزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة فهذا لا نعرفه قولًا لأحد"
(1)
.
إذا تبين هذا فما هو التوجيه الصحيح لأحاديث الوعد والتي في بعضها أن من أتى بالشهادة وحدها فقد حرم الله عليه النار؟
في هذا اختلف أهل العلم وسلكوا في توجيه هذه الأحاديث مذهبين:
المذهب الأول: مذهب الجمع:
وفيه عدة مسالك أوصلها الحافظ في الفتح إلى ستة مسالك
(2)
، ولكن بعض هذه المسالك متداخلة وبالتالي يمكن حصرها في مسلكين:
المسلك الأول: هو حمل أحاديث الوعد على ظاهرها وإطلاقها كما جاءت لكن لابد لحصول الموعود به من توفر الشروط وانتفاء الموانع وبالتالي فما ورد في الأحاديث أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وحرم الله عليه النار،
(1)
مجموع الفتاوى (7/ 501) وانظر (7/ 181). المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 124).
(2)
انظر الفتح (1/ 226).
أو أن من فعل كذا دخل الجنة وما في معناها كل ذلك مقيد باستيفاء الشروط وانتفاء الموانع، فليس في هذه الأحاديث ما يدل إلا على أن هذه الأعمال سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، والسبب كما هو معلوم لا يلزم من تحققه تحقق المسبب، بل لا بد من توفر الشروط وانتفاء الموانع.
وعلى هذا فإن هذه الأحاديث تطلق كما جاءت ويُقال: أن من فعل كذا أو قال كذا دخل الجنة لكن لا يصح تطبيقها على شخص معين فيقال إنه من أهل الجنة لأنه فعل كذا أو قال كذا لأننا لا نعلم هل توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع أم لا.
وإلى هذا المسلك ذهب الحسن البصري ووهب بن منبه ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية
(3)
وابن رجب
(4)
وسليمان بن عبد الله
(5)
وغيرهم.
وهذا القول هو معنى قول البخاري رحمه الله تعليقًا على حديث أبي ذر رضى الله عنه والذي فيه "ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" قال رحمه الله: "هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله غفر له"
(6)
.
فإن العبد إذا تاب وندم وقال لا إله إلا الله ومات عليها فقد توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع القادحة في هذه الشهادة.
وهذا المسلك هو أيضًا معنى قول سليمان بن عبد الله: "أي من تكلم بِهذه الكلمة عارفًا لمعناها عاملًا بمقتضاها باطنًا وظاهرًا"
(7)
.
(3)
انظر كتاب التوحيد لابن رجب (39).
(4)
انظر مجموع الفتاوى (8/ 270 - 271)(28/ 500 - 501).
(5)
انظر تيسير العزيز الحميد (90).
(6)
صحيح البخارى (5/ 2193).
(7)
تيسير العزيز الحميد (72).
وكذلك فإن هذا المسلك هو معنى قول من قال: إن هذه الأحاديث مطلقة، وقد جاءت مقيدة بأحاديث أُخر فوجب حمل المطلق على المقيد
(8)
، ومن هذه الأحاديث المقيدة:
- ما جاء في حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اذهب بنعليَّ هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بِها قلبه فبشره بالجنة"
(9)
.
- حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة"
(10)
.
- حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد أن لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه أو يقينًا من قلبه لم يدخل النار أو دخل الجنة" وقال مرة: "دخل الجنة ولم تمسه النار"
(11)
. قال ابن رجب رحمه الله: "وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله غير الله، والإله: الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالًا ومحبة وخوفًا ورجاءً وتوكلًا عليه وسؤالًا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التى هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك"
(12)
.
(8)
انظر كتاب التوحيد لابن رجب (47) وانظر التوحيد لابن خزيمة (2/ 693).
(9)
أخرجه مسلم، في كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا. (1/ 348) ح (31).
(10)
سبق تخريجه ص (340).
(11)
أخرجه الإمام أحمد (6/ 312) ح (21555). وابن حبان في صحيحه (1/ 429) ح (200) وصحح إسناده شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان.
(12)
التوحيد (49).