الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني مذاهب العلماء تجاه هذا التعارض
الخلاف في هذه المسألة قديم منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وبناءً على اختلافهم اختلف أهل العلم من بعدهم على عدة أقوال ومذاهب، ولكن قبل ذكر مذاهب أهل العلم تجاه هذه الأحاديث لا بد من تحرير محل النِّزاع كما يلى:
- أجمع أهل العلم على أنه لا يعذب أحد بذنب غيره كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة
(1)
.
- كما أجمع أهل العلم على تحريم النياحة
(2)
، قال النووي رحمه الله تعليقًا على حديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتِها تقام يوم القيامة وعليها سربال
(3)
من قطران
(4)
ودرع من جرب"
(5)
. قال: "فيه دليل على تحريم النياحة وهو مجمع عليه"
(6)
.
وقال القرطبى بعد أن ذكر شيئًا من صور النياحة: "فكل ذلك محرم من
(1)
انظر عارضة الأحوذى (4/ 180) مجموع الفتاوى (24/ 372، 373).
(2)
النياحة هي: اجتماع النساء وضربُهن خدودهن وخمشهنَّ ورمي التراب على رءوسهن وحلق شعورهن كل ذلك تحزنًا على ميتهن، وهي من أعمال الجاهلية ولها صور وأشكال تختلف باختلاف الأزمان، والله المستعان. انظر عارضة الأحوذى (4/ 177) لسان العرب (2/ 627) مادة (نوح).
(3)
السربال: القميص، وقد يطلق على الدرع. انظر النهاية في غريب الحديث (2/ 357).
(4)
القطران: عصارة الأبْهل والأرز ونحوهما يطبخ فيتحلب ويُطلى به الإبل. والمعنى: أنَّهن يُلطخن بالقطران فيصير لهن كالقمص، حتي يكون اشتعال النار والتصاقها بأجسادهن أعظم، ورائحته أنتن وألمها بسبب الحر أشد. انظر لسان العرب (5/ 105) مادة (قطر) مختار الصحاح (541، 542) مادة (قطر) المفهم (2/ 588).
(5)
أخرجه مسلم (6/ 489) ح (934).
(6)
مسلم بشرح النووى (6/ 489) وانظر (6/ 492).
أعمال الجاهلية ولا يختلف فيه"
(7)
.
-وأجمع أهل العلم أيضًا على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا: البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين
(8)
، لأن مجرد دمع العين قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال:"قد قضى؟ " قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا فقال:"ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بِهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم"
(9)
.
من خلال هذا التحرير يتضح لنا أن الإشكال هنا إنما هو في حديث تعذيب الميت ببكاء الحى، لأن ظاهره مخالف للقرآن كما في قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
(10)
ولذلك أنكرته عائشة رضي الله عنها ومن تبعها، وذهب جمهور أهل العلم إلى تأويله حتي لا يخالف ما ثبت بالنص والإجماع من أن الميت لا يعذب بذنب غيره، قال الشوكاني:"وذهب جمهور العلماء إلى تأويل هذه الأحاديث لِمخالفتها للعمومات القرآنية وإثباتِها لتعذيب من لا ذنب له"
(11)
.
والحاصل أن أهل العلم سلكوا في هذه المسألة أو بالأحرى في هذا الحديث ثلاثة مذاهب هى كالتالي:
(7)
المفهم (2/ 577). وانظر: نيل الأوطار للشوكاني (4/ 129).
(8)
انظر مسلم بشرح النووي (6/ 484، 485) شرح معاني الآثار للطحاوى (4/ 293، 294) كشف المشكل لابن الجوزى (1/ 55) المفهم (2/ 576).
(9)
متفق عليه: البخارى (1/ 439) ح (1242) ومسلم (6/ 479) ح (923).
(10)
سورة الأنعام، آية (164).
(11)
نيل الأوطار (4/ 125، 126).