الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولى: وهى الإسلام الذي هو أصل الدين.
والثانية: وهى الإيمان الخاص.
ونفى المرتبة الأولى يتضمن نفى المرتبة الثانية، لكن نفى المرتبة الثانية لا يتضمن نفى المرتبة الأولى.
وكذلك فإن الكفر مرتبتان هما:
الكفر المخرج من الملَّة المقابل للإيمان الذي هو الإسلام على الحقيقة.
والكفر الذي لا يخرج من الملَّة ويقابل الإيمان الواجب الذي هو زائد على مرتبة الإسلام على الحقيقة.
وبناءً على هذا فإنه لا يلزم من إطلاق وصف الكفر أن يكون المراد به الكفر المخرج من الملَّة، بل قد يراد به الكفر الأصغر، كما أنه لا يلزم من نفي الإيمان نفيه بالكلية، بل قد يكون المراد نفى الإيمان الواجب مع بقاء وصف الإسلام
(40)
.
مناقشة الأقوال والتوجيهات المرجوحة لأحاديث الوعيد:
قبل المناقشة لا بد من التنبيه على أن بعض التوجيهات السابقة لأحاديث الوعيد متداخلة أو على أقل الأحوال ليست متعارضة، ولذلك قال ابن حجر رحمه الله:"بعض الأقوال المنسوبة لأهل السنة يمكن رد بعضها إلى بعض"
(41)
.
كما أنه من الملاحظ أن جميع التوجيهات -سواءً في أحاديث الوعد أو الوعيد- تشترك في شيء معين، من أجله قال أهل العلم بِهذه التوجيهات:
ففي أحاديث الوعد نجد أن جميع الأقوال تشترك في كون مرتكب الكبيرة
(40)
انظر: ضوابط التكفير، للقرني (190).
(41)
فتح الباري (12/ 62).
مستحقًّا للعقاب وهذا بلا شك أمر متفق عليه عند أهل السنة.
وفي أحاديث الوعيد نجد أن جميع الأقوال تشترك في عدم كفر مرتكب الكبيرة كفرًا مخرجًا من الملَّة، إذا لم يكن مستحلًّا لها، وعدم خلوده في النار إن دخلها، وهذا أمر متفق عليه كما تقدم.
وفيما يلى مناقشة التوجيهات المرجوحة التي يمكن أن يُقال باطِّرادها في جميع أحاديث الوعيد، لأنَّها هى التي تتكرر كثيرًا ويُقال بِها في جميع أحاديث الوعيد
(42)
.
- أما ما ذهب إليه بعضهم من حمل هذه النصوص على المستحل لها
(43)
فقد أنكره الإمام أحمد وقال: "لو استحل ذلك ولم يفعله كان كافرًا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فعل كذا وكذا .. ""
(44)
.
وقال الحافظ في الفتح بعد ما استبعد هذا القول: "لو كان مرادًا لم يحصل التفريق بين السباب والقتال
(45)
فإن مستحل لعن المسلم بغير تأويل يكفر أيضًا"
(46)
.
- وأما حمل هذه الأحاديث على أن المراد بها الزجر والترهيب والتحذير، فقد رده أبو عبيد القاسم بن سلام فقال: هذا "أفظع تأوُّل على رسول الله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(42)
أما التوجيهات الخاصة المتعلقة بكل نوع من أنواع نصوص الوعيد فانظر في الرد عليها: الإيمان لأبى عبيد (39 - 40) السنة للخلال (3/ 576 - 577) مجموع الفتاوى (7/ 525، 674). فتح البارى (1/ 113).
(43)
ومرادهم بالمستحل لها: المستحل لها من غير تأويل سائغ، ومن غير جهل، لأنَّ مَنْ هذا حاله فإنه كافر بالإجماع وأما إن كان متأولًا تأوُّلًا سائغًا أو كان جاهلًا فإنه لا يكفر والله أعلم. انظر: شرح العقيدة الطحاوية (433). الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه لعبد الرزاق بن طاهر.
(44)
مدارج السالكين (1/ 427).
(45)
يعنى في قوله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وقد تقدم تخريجه ص (342).
(46)
فتح البارى (1/ 113).
وأصحابه، أن جعلوا الخبر عن الله وعن دينه وعيدًا لا حقيقة له، وهذا يئول إلى إبطال العقاب"
(47)
وقد عدَّ شيخ الإسلام ابن تيمية هذا القول من التأويلات المستكرهة
(48)
.
- وأما قول بعضهم في توجيه هذه الأحاديث: إن هذا وعيد وإخلاف الوعيد جائز بخلاف إخلاف الوعد، فقول صحيح لكنه داخل ضمن القول الذي سبق ترجيحه، فإخلاف الله لوعيده معناه: عفوه ورحمته ومغفرته، وهذا مانع واحد من عدة موانع للوعيد تقدم ذكرها.
وأما تضعيف شيخ الإسلام ابن تيمية لهذا القول ففيه نظر حيث قال رحمه الله تعليقًا على قوله تعالى: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}
(49)
.
قال رحمه الله: "وهذه الآية تضعف جواب من يقول: إن إخلاف الوعيد جائز، فإن قوله: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} بعد قوله: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} دليل على أن وعيده لا يبدل كما لا يبدل وعده"
(50)
.
(47)
الإيمان (39).
(48)
انظر: مجموع الفتاوى (7/ 674).
(49)
سورة ق، آية (28، 29).
(50)
مجموع الفتاوى (14/ 498).
تنبيه:
لا يعنى هذا النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يرى أن إخلاف الوعيد في حق المؤمنين غير جائز لأن هذا مذهب المعتزلة كما قد صرح بذلك شيخ الإسلام نفسه، وعدَّ هذا من أصولهم فقال في مقدمة أصول التفسير (75):"ومن أصول المعتزلة مع الخوارج: إنفاذ الوعيد في الآخرة وأن الله لا يقبل في أهل الكبائر شفاعة ولا يخرج منهم أحدًا من النار".
ومما يدل على أنه رحمه الله لم يرد هذا المعني أنه قال في نفس الموضع (14/ 498): "وهذا مما احتج به القائلون بأن فساق الملَّة لا يخرجون من النار وقد تكلمنا عليهم في غير هذا الموضع" وقال أيضًا في نفس الموضع السابق: "لكن التحقيق الجمع بين نصوص الوعد والوعيد وتفسير بعضها=