الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني مذاهب العلماء تجاه هذا التعارض
لم أجد غير قول واحد في الجمع بين هذه النصوص ولعلَّه هو المتعيِّن وذلك إذا فسرنا الفطرة بالإسلام
(1)
كما تقدم.
وأما إذا فسرنا الفطرة بغير الإسلام -كما هو الحال في الأقوال الأخرى- فإنه قد ينتفى هذا الإشكال، لكن يبقى تفسير الفطرة بغير الإسلام قولًا مرجوحًا.
والتحقيق أنه حتى على القول بأن المراد بالفطرة الإسلام فإنه لا إشكال ولا تناقض ولا تعارض بين هذه النصوص بحمد الله.
وبيان ذلك أن نقول: إن كتابة الشقاوة والسعادة على الإنسان قبل أن يولد حق لا مرية فيه، ولكن ليس في ذلك ما ينافي كون المولود يولد على الإسلام، لأن المراد بكتابة الشقاوة والسعادة إنما هو باعتبار المآل والخاتمة، وهذا لا يمنع من أن يكون قبل ذلك مولودًا على الإسلام.
وعلى هذا فمن كُتب شقيًّا فإنه لابد أن يصير إلى ما في علم الله فيعرض له ما يُغيِّر فطرته كما تولد البهيمة جمعاء وقد علم الله أنَّها ستجدع.
(1)
وليس المراد من تفسير الفطرة بالإسلام أن يكون المولود حين يخرج من بطن أمه يخرج وهو يعلم هذا الدين ويعتقده بالفعل ويريده لأن الله تعالى يقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} سورة النحل. آية (78) ولكن المراد أن فطرته مقتضية وموجبة لدين الإسلام لمعرفته ومحبته، فنفس الفطرة تستلزم الإقرار بخالقه ومحبته وإخلاص الدين له، وموجبات الفطرة ومقتضاها تحصل شيئًا بعد شىء بحسب كمال الفطرة إذا سلمت من المعارض. انظر درء التعارض (8/ 383) مجموع الفتاوى (4/ 247) شفاء العليل (2/ 308).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود هنا تفسير "كل مولود يولد على الفطرة" وأن من قال بإثبات القدر وأن الله كتب الشقى والسعيد لم يمنع ذلك أن يكون وُلد على الإسلام ثم تغيَّر بعد ذلك كما تولد البهيمة جمعاء ثم تُغيَّر بعد ذلك، فإن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هى عليه، فيعلم أنه يولد سليمًا ثم يتغير.
والآثار المنقولة عن السلف لا تدل إلا على هذا القول الذي رجحناه وهو أنهم ولدوا على الفطرة ثم صاروا إلى ما سبق في علم الله فيهم من سعادة وشقاوة، لا تدل على أنه حين الولادة لم يكن على فطرة سليمة مقتضية للإيمان مستلزمة له لولا المعارض"
(2)
.
وقال أيضًا: "من ابتدأه على الضلالة أي كتبه أنه يموت ضالًّا، فقد يكون قبل ذلك عاملًا بعمل أهل الهدى وحينئذ من وُلد على الفطرة السليمة المقتضية للهدى لا يمتنع أن يعرض لها ما يغيرها فيصير إلى ما سبق به القدر لها، كما في الحديث الصحيح: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يصير بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يصير بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة"
(3)
"
(4)
.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرًا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا" فإن معناه لا يختلف عن المعنى السابق وذلك أن معناه أن هذا الغلام قُدِّر له أنه ستتغير فطرته فيكفر وهذا ليس فيه ما يمنع أن
(2)
درء التعارض (8/ 410) وانظر شفاء العليل (2/ 299، 312).
(3)
هذا قطعة من حديث تقدم تخريجه ص (466) أوله "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه .. ".
(4)
درء التعارض (8/ 412) وانظر مجموع الفتاوى (4/ 246).
يكون وُلد على الفطرة السليمة.
قال شيخ الإسلام: "طُبع: أي طُبع في الكتاب أي: قُدِّر وقضي، لا أنه كان كفره موجودًا قبل أن يولد، فهو مولود على الفطرة السليمة وعلى أنه بعد ذلك يتغير فيكفر كما طُبع كتابه يوم طُبع"
(5)
.
* * *
(5)
درء التعارض (8/ 363) وانظر (8/ 427) مجموع الفتاوى (4/ 246) شفاء العليل (2/ 300، 322).