الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني مذاهب العلماء تجاه هذا التعارض
لم يتجاوز أهل العلم في هذه المسألة مذهب الجمع، وكلامهم يدور على حديث جابر رضي الله عنه:"إن الشيطان قد أيس .. ".
وأما الأحاديث التى فيها إخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بوقوع الشرك وعبادة الأوثان والأصنام، فإن أهل العلم لم يختلفوا في وقوع ما دلت عليه.
ولذلك بوب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد بابًا بعنوان: "ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان" قال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرح هذه الترجمة: "أراد المصنف بِهذه الترجمة الرد على عبّاد القبور الذين يفعلون الشرك ويقولون: إنه لا يقع في هذه الأمة المحمدية وهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فبيَّن في هذا الباب من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ما يدل على تنوع الشرك في هذه الأمة، ورجوع كثير منها إلى عبادة الأوثان وإن كانت طائفة منها لا تزال على الحق، ولا يضرهم من خذلهم حتي يأتي أمر الله تبارك وتعالى"
(1)
.
وقال الشيخ عبد الله أبا بطين عن حديث: "إن الشيطان قد أيس .. ": "لا دلالة في الحديث على استحالة وقوع الشرك في جزيرة العرب، ويوضح ذلك: أن أكثر العرب ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكثير منهم رجعوا إلى الكفر وعبادة الأوثان، وكثير منهم صدقوا من ادعى النبوة كمسيلمة وغيره"
(2)
.
(1)
تيسير العزيز الحميد (362).
(2)
الدرر السنية (12/ 118).
وقد اختلف أهل العلم- في الجواب على حديث جابر: "إن الشيطان قد أيس" على عدة أقوال وهي كالتالي:
القول الأول: أن المراد أن الشيطان قد أيس أن يجتمعوا كلهم على الكفر، وإلى هذا ذهب ابن رجب وعبد الله أبا بطين وغيرهما
(3)
.
القول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عمَّا وقع في نفس الشيطان من اليأس عندما رأى الفتوح ودخول الناس في دين الله أفواجًا، ولكن لا يلزم من هذا عدم وقوع الشرك وعبادة سوى الله تعالى، لأن الأمر يقع على خلاف ما ظنه الشيطان، كما دلت على ذلك الأحاديث الأخرى التي فيها إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع الشرك.
قالوا: ويدل على هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الإياس في الحديث إلى الشيطان مبنيًّا للفاعل، فلم يقل: أُيس بالبناء للمفعول، بمعني أن الله أيسه، فالإياس الصائر من الشيطان لا يلزم تحقيقه واستمراره، ذكر هذا الجواب الشيخ عبد الله أبا بطين
(4)
، وإليه ذهب الشيخ محمد العثيمين
(5)
.
القول الثالث: أن المراد أن الشيطان لا يطمع أن يعبده المؤمنون في جزيرة العرب، وهم المصدقون بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه المذعنون له، الممتثلون لأوامره، إذ أن من كان على هذه الصفة فهو على بصيرة ونور من ربه، فلا يطمع الشيطان أن يعبده، ذكر هذا الجواب الألوسى
(6)
.
(3)
الدرر السنية (12/ 116، 132) دعاوى المناوئين (223).
(4)
انظر الدرر السنية (12/ 117، 131) دعاوى المناوئين (223) شرح الأبي (9/ 261).
(5)
انظر القول المفيد (1/ 211، 467).
(6)
نقل ذلك عنه صاحب دعاوى المناوئين (224).
القول الرابع: ذكره الألوسى أيضًا فقال: "يحتمل أن يراد بالمصلين أناس معلومون، بناءً على أن تكون (أل) للعهد، وأن يراد بِهم الكاملون فيها .. وهم خير القرون، يؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث "ولكن في التحريش بينهم" .. يقول الطيبى: لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه رضوان الله عليهم أجمعين، أي: أيس أن يعبد فيها، ولكن يطمع في التحريش
(7)
"
(8)
.
القول الخامس: ما ذهب إليه أبو العباس القرطبي من أن المعني: "أن المسلمين في جزيرة العرب ما أقاموا الصلاة فيها وأظهروها، لم يظهر فيها طائفة يرتدون عن الإسلام إلى عبادة الطواغيت والأوثان، فإذا تركوا الصلاة وذهب عنهم اسم المصلين فإذ ذلك يكونون شرار الخلق وهذا إنما يتم إذا قبض الله المؤمنين بالريح الباردة .. وحينئذٍ تضطرب أليات دوس حول ذي الخلصة وتُعبد اللات والعزى"
(9)
.
القول السادس: أنّ معني الحديث: أنّ الشيطان قد أيس أن يعبد هو نفسه كما هو ظاهر الحديث، لا أنّه أيس من أن يعبد غيره من المخلوقات كالأنبياء والملائكة والصالحين والأحجار والأشجار، ولم يزعم أحد أن الشيطان قد عبد هو نفسه كفاحًا مباشرة، وإنما أُطيع في عبادة بعض المخلوقات وأضيفت العبادة إليه لأنه هو الآمر بِها الداعي إليها
(10)
.
* * *
(7)
انظر شرح الطيبي (1/ 209).
(8)
نقل ذلك عنه صاحب دعاوي المناوئين (224)
(9)
المفهم (7/ 310).
(10)
انظر الصراع بين الإسلام والوثنية لعبد الله بن علي القصيمي (2/ 122).