الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث الترجيح
في الحقيقة أن جميع الأقوال السابقة محتملة وأقواها القول الثاني ثمّ الأوّل، وأضعفها القول الخامس والسادس.
أمّا القول الخامس فلأن فيه أن عبادة الأصنام والأوثان لا تكون إلا في آخر الزمان عند قبض الله تعالى المؤمنين بالريح الباردة، وهذا يرده الواقع، إذ أن عبادة غير الله تعالى من الأصنام والأوثان وُجدت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ولا تزال موجودة حتي الآن والله المستعان.
"ولا يمكن أن يدعى أنه لن يعبد غير الله في بلاد العرب في وقت من الأوقات، فإن هذا باطل بالإجماع والضرورة والنصوص المتواترة، وقد كان في بلاد العرب يهود ونصارى وهم يعبدون غير الله حينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث"
(1)
.
وأما القول السادس فيشكل عليه أمران:
أحدهما: "أنه لم يعهد أنّ العرب المشركين في جاهليتهم كانوا يعبدون الشيطان نفسه، وإنما عهد أنهم أطاعوه في عبادة الأصنام والأوثان التي عبدوها في الجاهلية، وفي دولة الشرك والضلال، والحديث يجب أن يوجه معناه نفيًا وإثباتًا إلى ما عهد وعلم، لا إلى ما لم يعهد وما لم يعلم، فيجب أن يقال: إنّ هذه العبادة التي أيس الشيطان منها هى العبادة التي كان أهل الجاهلية
(1)
الصراع بين الإسلام والوثنية (2/ 126) بتصرف يسير.
يقدمونَها إليه وهى طاعته في عبادة غيره من المخلوقات ناطقها وصامتها"
(2)
.
وقد أجيب عن هذا الإشكال -أو الاعتراض- بأنه لا مانع من أنّ الشيطان كان يسعى جهده لإيقاع المشركين عبدة الأصنام والأوثان في عبادته نفسه، وأنه كان يأمل أن يعبدوه حقيقة مباشرة كما كانوا يعبدون الأحجار والأشجار والإنسان والحيوان وغير ذلك من أصناف المعبودات، وأنه كان عظيم الرجاء في أن يصل إلى هذه الغاية الشيطانية العظيمة، فلما انتشر الإسلام واتسعت رقعته وعلا شأنه وارتفع، انقطع على الشيطان رجاءه هذا، وأفسد عليه أمنيته هذه ورأى أنّه قد ظنّ باطلًا، ورجا ما لن يكون أبدًا، فانقلب ذلك الرجاء يأسًا، والأمل قنوطًا، والسعي خيبة، فأعلن يأسه وباح بإفلاسه، ونادى بويله وثبوره، فأعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة وقال:"إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب"
(3)
.
فإن توجه هذا الجواب كان الإشكال الثاني قائمًا وهو:
الأمر الثاني الذي يشكل على هذا القول: أنّ الحديث قد ورد برواية لا يستقيم معها هذا القول وهى: (إن إبليس يئس أن تعبد الأصنام بأرض العرب ولكنه سيرضى بدون ذلك منكم .. )
(4)
.
* * *
(2)
المرجع السابق (2/ 123).
(3)
انظر المرجع السابق (2/ 123، 124).
(4)
أخرجه الحاكم (2/ 32) ح (2221) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى، وأخرجه أيضًا أبو يعلى في مسنده (6/ 57) ح (5122).