الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
وصف إحدى اليدين باليمين كما في الأحاديث السابقة، وهذا يقتضى أن الأخرى ليست يمينًا فتكون شمالًا، وفي بعض الأحاديث تذكر اليمين ويذكر مقابلها:"بيده الأخرى"
(12)
، وهذا يعني أن الأخرى ليست اليمين فتكون الشمال
(13)
.
ثانيًا: مذهب الترجيح:
سلك هذا المذهب بعض أهل العلم الذين منعوا من إطلاق الشمال واليسار على يد الله تعالى وقالوا: إن كلتا يدي الله تعالى يمين لا شمال ولا يسار فيهما، وضعفوا الرواية التي ورد فيها لفظ الشمال.
وممن سلك هذا المذهب ابن خزيمة والبيهقى والألباني، وإليك أقوالهم وأدلتهم:
قال ابن خزيمة: "إن لخالقنا -جل وعلا- يدين كلتاهما يمينان لا يسار لخالقنا عز وجل، إذ اليسار من صفة المخلوقين
(14)
، فجل ربنا عن أن يكون له يسار"
(15)
.
وقال أيضًا: " .. بل الأرض جميعًا قبضة ربنا جل وعلا، بإحدى يديه يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه وهي: اليد الأخرى، وكلتا يدي ربنا
(12)
كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة .. وبيده الأخرى الفيض أو القبض يرفع ويخفض" تقدم تخريجه ص (243).
(13)
انظر: كتاب صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة، ص (277).
(14)
التعليل بِهذا فيه نظر، إذ أنه ليس كل ما كان صفة للمخلوق فهو منفي عن الله تعالى، وإلا لنفينا -جريًا على هذه القاعدة- أشياء كثيرة من صفات الله تعالى، كاليد والسمع والبصر وغيرها بحجة أنَّها من صفات المخلوقين، وإنما الحق أن تثبت هذه الصفات -لورود النص بِها- لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم من ذلك أن تكون مماثلة لصفات المخلوقين. والله أعلم.
(15)
كتاب التوحيد (1/ 159).
يمين لا شمال فيهما جل ربنا وعز عن أن يكون له يسار، إذ كون إحدى اليدين يسار إنما يكون من علامات المخلوقين
(16)
، جل ربنا وعز عن شبه خلقه"
(17)
.
وقال البيهقي عن رواية بشماله: "ذكر الشمال فيه تفرد به عمر بن حمزة
(18)
عن سالم وقد روى هذا الحديث نافع
(19)
وعبيد الله بن مقسم
(20)
عن ابن عمر، لم يذكروا فيه الشمال، ورواه أبو هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر فيه أحدٌ منهم الشمال.
ورُوي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة، إلا أنه ضعيف بمرة، تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير، وبالآخر يزيد الرقاشى وهما متروكان، وكيف يصح ذلك؟ وصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى كلتي يديه يمينًا
(21)
"
(22)
.
وقال الألباني رحمه الله وقد سُئل: كيف نوفق بين رواية: "بشماله" الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في صحيح مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم:"وكلتا يديه يمين"؟
قال: "لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء فقوله صلى الله عليه وسلم: " .. وكلتا يديه
(16)
انظر التعليق على كلامه السابق ص (246).
(17)
كتاب التوحيد (1/ 197).
(18)
وهو ضعيف. انظر تقريب التهذيب (1/ 715).
(19)
كما في صحيح البخاري (6/ 2697) ح (6977)
(20)
كما في صحيح مسلم (17/ 138) ح (2788).
(21)
لا يعني هذا أن البيهقي رحمه الله تعالى يثبت اليمين لله تعالى حقيقة، بل هو يُؤولها، فإنه لما ساق أخبارًا كثرة في اليمين قال: "واليمين المذكور في الأخبار التى ذكرناها محمول في بعضها على القوة والقدرة .. وفي بعضها على حسن القبول لأن في عرف الناس أن أيمانَهم تكون مرصدة لما عزَّ من الأمور، وشمائلهم لما هان منها، والعرب تقول: فلان عندنا باليمين أى بالمحل الجليل الأسماء والصفات (2/ 160) وانظر: البيهقي وموقفه من الإلهيات ص (256) للدكتور أحمد بن عطية الغامدي.
(22)
الأسماء والصفات (2/ 139).
يمين" تأكيد لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(23)
فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيد للتنْزيه، فيد الله ليست كيد البشر: شمال ويمين، ولكن كلتا يديه يمين، وأمر آخر أن رواية:"بشماله": شاذة.
ويؤكد هذا أن أبا داود رواه وقال: "بيده الأخرى" بدل "بشماله" وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم: "وكلتا يديه يمين "والله أعلم"
(24)
.
أدلة هذا القول:
استدل أصحاب هذا القول لما ذهبوا إليه بما يلى:
1 -
ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين .. "
(25)
.
2 -
حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أول ما خلق الله تعالى القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين .. "
(26)
.
3 -
حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه قال بيده وهما مقبوضتان: خذ أيهما شئت يا آدم فقال: يمين ربي وكلتا يديه يمين مباركة .. "
(27)
.
(23)
سورة الشورى، آية (11).
(24)
انظر مجلة الأصالة: العدد الرابع ص (68).
(25)
تقدم تخريجه ص (242).
(26)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 49) ح (106)، والآجري في الشريعة (2/ 124) ح (790) وحسَّن إسناده الألباني في تخريجه للسنة.
(27)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 19) ح (206) وابن حبان في صحيحه (14/ 40) ح (6167) والحاكم في مستدركه (1/ 132) ح (214) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 140) ح (708) وحسَّن إسناده الألباني في تخريجه للسنة.