الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: أنه قد ثبت أن الله تعالى يأمر الناس يوم القيامة بالسجود ويحول بين المنافقين وبينه وهذا تكليف لهم بما ليس في الوسع قطعًا، فكيف يُنكر التكليف بدخول النار، التى هي نار في رأى العين وأما في الحقيقة فليست كذلك.
الرابع: أن استبعاد هذا إنما هو استبعاد مجرد لا ينبغي أن تُرد بمثله الأحاديث.
مناقشة الأقوال الأخرى:
- أما القول بأنَّهم في الجنة فإنه يُشكل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "الله أعلم بما كانوا عاملين"
(10)
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافرًا ولو عاش لأرهق أبويه طُغيانًا وكفرًا".
ولهذا قال النووي -وهو ممن يذهب إلى هذا القول كما تقدم-: "وأما غلام الخضر فيجب تأويله قطعًا"
(11)
.
- وأما القول بأنَّهم خدم أهل الجنة فلا أصل له وهو مبنى على أحاديث ضعيفة لا تقوم بِها حجة
(12)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الولدان الذين يطوفون على أهل الجنة خلق من خلق الجنة ليسوا بأبناء أهل الدنيا، بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة يُكمل خلقهم كأهل الجنة على صورة آدم أبناء ثلاث وثلاثين سنة في طول
(10)
وقد أجابوا عنه بأجوبة ضعيفة كادِّعاء النسخ مثلًا، انظر: الفصل (2/ 385) التهذيب لابن القيم بِهامش عون المعبود (12/ 323) مسلم بشرح النووى (16/ 450).
(11)
مسلم بشرح النووي (16/ 450).
(12)
انظر: الاعتقاد للبيهقي (89) مجموع الفتاوى (4/ 279).
ستين ذراعًا"
(13)
.
- وأما القول بأنَّهم أهل الأعراف فليس بشىء، قال السبكي:"وأما القول بأنَّهم في الأعراف فلا أعرفه ولا أعلم حديثًا ورد به، ولا قاله أحدٌ من العلماء فيما علمت"
(14)
.
- وأما القول بأنَّهم في النار أو أن حكمهم حكم آبائهم فقول مردود، وأدلتهم يُجاب عنها بما يلى:
أما قوله صلى الله عليه وسلم في أولاد المشركين: "هم منهم" أو "هم من آبائهم" فليس هذا في حكم الآخرة وإنما هو في حكم الدنيا كما هو صريح الحديث أنَّهم إذا أُصيبوا في الجهاد والبيات، وقد نقل ابن بطة وابن عبد البر الإجماع على ذلك
(15)
.
وقال ابن عبد البر: "معني هذا الحديث عند أهل العلم: في أحكام الدنيا .. هم من آبائهم، وعلى ذلك مخرج الحديث، فليس على من قتلهم قود ولا دية لأنهم أولاد من لا دية في قتله ولا قود، لمحاربته وكفره، وليس هذا الحديث في أحكام الآخرة وإنما هو في أحكام الدنيا، فلا حجة فيه"
(16)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قد عُلم بالاضطرار من شرع الرسول أن أولاد الكفار يكونون تبعًا لآبائهم في أحكام الدنيا"
(17)
.
ومما يدل على أن الأطفال لا يُعذبون بعذاب آبائهم قوله تعالى: {وَلَا
(13)
مجموع الفتاوى (4/ 311) وانظر: (4/ 279).
(14)
فتاوى السبكي (2/ 364) وانظر التهذيب لابن القيم بهامش عون المعبود (12/ 323).
(15)
انظر: الإبانة الكبرى (2/ 73) تحقيق د. عثمان الأثيوبي، التمهيد (18/ 133، 134).
(16)
التمهيد (18/ 121) وانظر الاعتقاد للبيهقى (89) طريق الهجرتين (699، 700) نيل الأوطار (7/ 237).
(17)
درء التعارض (8/ 433).
تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
(18)
،
(19)
.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الوائدة والموءودة في النار" فقد اختلف أهل العلم في تأويله ومنهم من أنكر متنه
(20)
، وأحسن ما قيل فيه هو قول ابن القيم رحمه الله: الموءودة" في النار ما لم يوجد سبب يمنع من دخولها النار. . . ففرق بين أن تكون جهة كونِها موءودة هى التى استحقت بِها دخول النار، وبين كونِها غير مانعة من دخول النار بسبب آخر، وإذا كان تعالى يسأل عن وأد ولدها بغير استحقاق ويعذبُها على وأدها كما قال تعالى:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}
(21)
فكيف يُعذب الموءودة بغير ذنب"
(22)
.
- وأما بقية الأحاديث التى يستدل بِها أصحاب هذا القول فضعيفة لا يُحتج بِها.
قال ابن الوزير: "ليس في تعذيب الأطفال حديث صحيح صريح"
(23)
.
- وأما القول بالوقف فإن أدلة القائلين به ليس فيها ما يخالف القول بالامتحان، ولذلك فإن القائلين بالامتحان يأخذون بمدلول أدلة هذا القول غير أنَّهم يزيدون على ذلك القول بالامتحان لدلالة النصوص على ذلك
(24)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأما جواب النبى صلى الله عليه وسلم .. وهو قوله: "الله
(18)
سورة الأنعام، آية (164).
(19)
انظر: الفصل (2/ 386).
(20)
انظر: الفصل (2/ 382) التمهيد (18/ 120) العواصم والقواصم (7/ 249 - 250) فتاوى السبكى (2/ 363).
(21)
سورة التكوير، آية (8).
(22)
طريق الهجرتين (700) وانظر: روح المعاني للألوسى (30/ 53).
(23)
العواصم والقواصم (7/ 251) وانظر: (7/ 257).
(24)
انظر ص (530) من هذا البحث، الوجه الثالث.
أعلم بما كانوا عاملين" فإنه فصل الخطاب في هذا الباب، وهذا العلم يظهر حكمه في الآخرة"
(25)
.
وقال ابن القيم: "النبى صلى الله عليه وسلم لم يجب فيهم بالوقف وإنما وكل علم ما كانوا يعملون لو عاشوا إلى الله، والمعنى: الله أعلم بما كانوا يعملون لو عاشوا، فهو سبحانه يعلم القابل منهم للهدى العامل به لو عاش، والقابل منهم للكفر المؤثر له لو عاش، لكن لا يدل هذا على أنه سبحانه يجزيهم بمجرد علمه فيهم بلا عمل يعملونه، وإنما يدل على أنه يعلم منهم ما هم عاملون بتقدير حياتِهم"
(26)
.
- وأما حديث عائشة رضي الله عنها لما شهدت لصبى من الأنصار بالجنة قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوَ غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلًا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلًا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم" فقد قال فيه البيهقي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم: هذا الحديث إنما يدل على أنه لا يُشهد ولا يُقطع لكل واحد من أطفال المؤمنين بعينه بالجنة، وإن أُطلق على أطفال المؤمنين في الجملة أنهم في الجنة، لكن الشهادة للمعين ممتنعة
(27)
.
(25)
درء التعارض (8/ 402).
(26)
طريق الهجرتين (687 - 688).
(27)
انظر: الاعتقاد للبيهقي (91) مجموع الفتاوى (4/ 281) طريق الهجرتين (701).
تنبيه: هذا أحسن ما قيل في معني الحديث وقد تأوله بعضهم تأويلات بعيدة. انظر: التذكرة (2/ 318) مسلم بشرح النووى (16/ 447) طريق الهجرتين (701) وردَّ هذا الحديث الإمام أحمد كما في طريق الهجرتين (701) وضعفه آخرون كابن عبد البر في التمهيد (6/ 350) وقال: "فيه طلحة بن يحيى وهو ضعيف لا يحتج به وهذا الحديث مما انفرد به فلا يعرج عليه" والحق أنه لم ينفرد به طلحة بل تابعه عليه فضيل بن عمرو كما عند مسلم (16/ 451) وهو ثقة، انظر: تقريب التهذيب (2/ 15).
- وأما مذهب التوقف والذي هو الإمساك عن الخوض في هذه المسألة فقد تكرر كثيرًا -فيما تقدم- أن بابه واسع "فمن اشتبهت عليه الأمور فتوقف لئلا يتكلم بلا علم، أو لئلا يتكلم بكلام يضر ولا ينفع فقد أحسن، ومن علم الحق فبيَّنه لمن يحتاج إليه وينتفع به فهو أحسن وأحسن"
(28)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعدما رجح القول بالامتحان: "وهذا التفصيل يُذهب الخصومات التي كره الخوض فيه لأجلها من كره، فإن من قطع لهم بالنار كلهم جاءت نصوص تدفع قوله، ومن قطع لهم بالجنة كلهم جاءت نصوص تدفع قوله، ثم إذا قيل: هم مع آبائهم لزم تعذيب من لم يذنب، وانفتح باب الخوض في الأمر والنهي والوعد والوعيد والقدر والشرع .. "
(29)
.
- وأما ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال أمر هذه الأمة موائمًا، أو مقاربًا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر" فمحمول على ذمِّ من تكلم فيهم بغير علم، أو ضرب النصوص بعضها ببعض فيهم، كما ذمَّ من تكلم في القدر بمثل ذلك، وأما من تكلم فيهم بالعلم الذي بينه الله ورسوله فإنه لا يُذم بل هو مأمور به، وهو الذي ينبغى للإنسان طلبه
(30)
، والله أعلم.
* * *
(28)
مقتبس من كلام ابن تيمية في درء التعارض (8/ 407).
(29)
درء التعارض (8/ 401).
(30)
انظر: درء التعارض (8/ 408) طريق الهجرتين (689) تفسير ابن كثير (3/ 54).