الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ}
(28)
.
وبالسنن ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا طيرة .. ".
ثالثًا: مذهب الترجيح:
وقد سلكه فريقان من الناس:
أ - فريق رد أحاديث الشؤم وأنكرها أصلًا وخطَّأَ الراوي لها، وعلى رأس هؤلاء أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها.
فقد أخرج الإمام أحمد والطحاوي وغيرهما: أنه دخل رجلان من بني عامر على عائشة رضى الله عنها فأخبراها أن أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الطيرة في المرأة والدار والفرس" فغضبت وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض فقالت: والذي أنزل الفرقان على محمد ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، إنما قال:"أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك"
(29)
.
وفي روايةٍ لأحمد: فأنكرت عائشة رضى الله عنها ذلك وقالت: والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم ما هكذا كان يقول ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في المرأة والدار والدابة" ثم قرأت عائشة:
(30)
.
(28)
سورة الحديد، آية:(22).
(29)
أخرجه أحمد (7/ 215، 343، 350) والطحاوي في مشكل الآثار (1/ 233) وفي شرح معاني الآثار (4/ 314) والحاكم (2/ 521) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وابن خزيمة كما في الفتح (6/ 61) وابن جرير الطبري في تَهذيب الآثار (1/ 14)، ح (37)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 288)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 725)، ح (993).
(30)
المسند (7/ 350) وقال الهيثمى في المجمع (1/ 104): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
وروى أبو داود الطيالسى في مسنده عن مكحول قال: قيل لعائشة: إن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشؤم في ثلاث .. " فقالت: لم يحفظ أبو هريرة، لأنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"قاتل الله اليهود يقولون: الشؤم في ثلاث: .. " فسمع أبو هريرة آخر الحديث ولم يسمع أوله
(31)
.
ويشهد لهذا الإنكار من عائشة رضي الله عنها ما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضى الله عنه أنه سُئل: سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الطيرة في ثلاث: في المسكن والفرس والمرأة"؟ قال: كنت أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"أصدق الطيرة الفأل، والعين حق"
(32)
.
ب - وأما الفريق الآخر فلم يردوا أحاديث الشؤم بكاملها، وإنما ردوا رواية الجزم "الشؤم في ثلاث .. " وغلطوا الراوي فيها وقدموا عليها رواية التعليق "إن كان الشؤم في شيء ففي .. "، ومن هؤلاء: الطحاوي والطبري وابن عبد البر عليهم رحمة الله، وتبعهم في ذلك الألباني.
قال الطحاوي بعد إيراده لحديث الشؤم: "فلم يخبر أنَّها فيهن وإنما قال: "إن تكن في شيء ففيهن" أي لو كانت تكون في شىء لكانت في هؤلاء، فإذا لم تكن في هولاء الثلاثة فليست في شىء"
(33)
.
وقال الطبري: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس" فإنه لم يثبت بذلك صحة الطيرة، بل إنما أخبر صلى الله عليه وسلم أن ذلك
(31)
رواه أبو داود الطيالسي ح (1537)، قال ابن حجر في الفتح (6/ 61):"مكحول لم يسمع من عائشة فهو منقطع".
(32)
رواه أحمد (14/ 266)، ح (7870) وضعف إسناده أحمد شاكر لأن فيه أبا معشر وهو ضعيف.
(33)
شرخ معاني الآثار (4/ 314).
إن كان في شيء ففي هذه الثلاث، وذلك إلى النفي أقرب منه إلى الإيجاب لأن قول القائل: إن كان في هذه الدار أحد فزيد، غير إثبات منه أن فيها زيدًا، بل ذلك من النفى أن يكون فيها زيد أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدًا"
(34)
.
وقال ابن عبد البر: "فلم يقطع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالشؤم" وقال أيضًا: "وأما قوله في هذا الحديث: "الشؤم في الدار والمرأة والفرس" فهو عندنا على غير ظاهره" وقال: "فقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طيرة" نفى عن التشاؤم والتطير بشيء من الأشياء، وهذا القول أشبه بأصول شريعته صلى الله عليه وسلم من حديث الشؤم
(35)
.
وقال الألباني بعد ذكره لرواية التعليق: "والحديث يعطي بمفهومه أن لا شؤم في شيء لأن معناه: لو كان الشؤم ثابتًا في شيءٍ ما لكان فى هذه الثلاثة، لكنه ليس ثابتًا في شىءٍ أصلًا.
وعليه فما في بعض الروايات بلفظ "الشؤم في ثلاثة" أو "إنما الشؤم في ثلاثة" فهو اختصار وتصرف من بعض الرواة"
(36)
.
وقال أيضًا عن رواية الجزم "الشؤم في ثلاث": "فهو بِهذا اللفظ شاذ مرجوح"
(37)
واستدل أصحاب هذا القول بما يلى: -
1 -
نفيه صلى الله عليه وسلم للطيرة -كما تقدم- وترغيبه في تركها بقوله: "يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب؛ وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا
(34)
تَهذيب الآثار (1/ 31).
(35)
التمهيد (9/ 283، 284).
(36)
السلسلة الصحيحة (1/ 727).
(37)
السلسلة الصحيحة (4/ 565).
يكتوون وعلى ربِّهم يتوكلون"
(38)
"
(39)
.
2 -
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا شؤم وقد يكون اليُمن في ثلاثة: في المرأة والفرس والدار"
(40)
.
قال ابن عبد البر عن هذا الحديث: "وهذا أشبه في الأصول لأن الآثار ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا طيرة ولا شؤم ولا عدوى .. " "
(41)
.
وقال الطحاوي عن هذا الحديث أيضًا: "وفي ذلك تحقيق ما ذكرناه من انتفاء إثبات الشؤم في هذه الأشياء"
(42)
.
3 -
إنكار عائشة رضي الله عنها لحديث الشؤم، فقالوا: إن رواية عائشة أولى من رواية غيرها لأَنَّها حفظت ما لم يحفظه غيرها لا سيما وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد نفى الطيرة
(43)
.
* * *
(38)
أخرجه البخاري (5/ 2158)، ح (5378)، ومسلم (3/ 90)، ح (218).
(39)
انظر الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشى، ص (105).
(40)
رواه الترمذي (تحفة 8/ 114)، ح (2980) وابن ماجه (1/ 642)، ح (1993) والطحاوى في مشكل الآثار (1/ 233) وضعف إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (6/ 62) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/ 565)، ح (1930).
(41)
التمهيد (9/ 279).
(42)
مشكل الآثار (1/ 233).
(43)
انظر: مشكل الآثار (1/ 232) والسلسلة الصحيحة (2/ 727).