الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال القرطبي عن النهي الوارد في الحديث: "هذا كله من باب الإرشاد إلى إطلاق اسم الأولى، لا أن إطلاق ذلك الاسم محرم، فكان محل النهي في هذا الباب ألا تُتخذ هذه الأسماء عادة فيُترك الأولى والأحسن"
(5)
.
وقال النووي: "يكره أن يقول المملوك لمالكه ربي"
(6)
.
والقول بالكراهة هو ظاهر صنيع البخاري في صحيحه حيث بوَّب لحديث "لا يقل أحدكم أطعم ربك" بقوله: "باب كراهة التطاول على الرقيق .. "
(7)
ثم ذكر شيئًا من أدلة الجواز التي سبق ذكرها.
فأصحاب هذا القول جعلوا النهي الوارد في الحديث للتنزيه وما ورد من ذلك -في الآيات والأحاديث- لبيان الجواز.
القول الثالث: التفصيل وهو ما ذهب إليه ابن حجر رحمه الله حيث حمل النهي على: إطلاق لفظ "الرب" بلا إضافة، وأما مع الإضافة فيجوز إطلاقه، قال رحمه الله:"الذي يختص بالله تعالى إطلاق الرب بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه كما في قوله تعالى: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} .. "
(8)
.
أجوبة أهل العلم عن أدلة الجواز:
لمَّا كانت الروايات في النهي واضحة وصريحة أخذ بِها أهل العلم -كما سبق- فمنهم من حمل النهي على التحريم، ومنهم من حمله على الكراهة ومنهم من فصَّل في ذلك.
وأما أدلة الجواز -التي تقدم ذكرها- فقد أجاب عنها أهل العلم بأجوبة
(5)
المفهم (2/ 552).
(6)
الأذكار (519).
(7)
صحيح البخاري (2/ 900).
(8)
فتح البارى (5/ 179).
خاصة عن كل دليل بعينه، وأجوبة عامة تطَّرد في جميع الأدلة، وإليك بيان ذلك: -
أ - ذكر الأجوبة الخاصة عن كل دليل بعينه:
- أما الآية وهي:
* قوله تعالى عن يوسف عليه السلام: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} : فعنها جوابان:
أحدهما: أن هذا جائز في شرع يوسف عليه السلام، منهى عنه في شرعنا.
وإلى هذا ذهب ابن العربي وشيخ الإسلام ابن تيمية واستظهره سليمان ابن عبدالله
(9)
.
قال ابن العربي: "يحتمل أن يكون ذلك جائزًا في شرع يوسف عليه السلام"
(10)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا ريب أن يوسف عليه السلام سمّي السيد ربًّا في قوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} و {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} ونحو ذلك، وهذا كان جائزًا في شرعه، كما جاز في شرعه أن يسجد له أبواه وإخوته، وكما جاز في شرعه أن يؤخذ السارق عبدًا .. "
(11)
.
والجواب الثاني: أن يوسف عليه السلام "خاطبه على المتعارف عندهم وعلى ما كانوا يسمونَهم به، ومثله قول موسى عليه السلام للسامري: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} أي الذي اتخذته إلهًا"
(12)
.
(9)
انظر تيسير العزيز الحميد ص (654).
(10)
نقل عنه ذلك القرطبى في تفسيره (9/ 195).
(11)
مجموع الفتاوى (15/ 118)، وانظر الأذكار للنووي (520).
(12)
النهاية لابن الأثير (2/ 179).
وإلى هذا ذهب الطحاوي
(13)
وابن الأثير.
* وأما قوله صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة: "حتى تلد الأمة ربتها":
فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن الحديث ورد بالتأنيث، فيحمل النهي على أنه موجه للذكر فلا يقال ذلك له لما فيه من إيهام المشاركة لله تعالى، أما الأنثى فإن إيهام المشاركة فيها معدوم.
وثانيها: أن يقال إن إطلاق لفظ "الرب" على الذكر محرم للنهي الوارد في الحديث -"لا يقل أحدكم أطعم ربك "- وأما الأنثى فيكره لورود الحديث بذلك - "أن تلد الأمة ربتها".
وثالثها: ما استظهره الشيخ سليمان بن عبد الله وهو أن يقال: إن هذا الحديث ليس فيه إلا وصفها بذلك لا دعاؤها به وتسميتها به، وفرق بين الدعاء والتسمية وبين الوصف، كما تقول: زيد فاضل وتصفه بذلك ولا تسميه به ولا تدعوه به
(14)
.
* وأما قوله صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل: "حتى يلقاها ربُّها".
فيجاب عنه: بأن ما لا تعبد عليه من سائر الحيوان والجماد يجوز إطلاق هذا الاسم عليه عند الإضافة كقولك: رب الدار ورب الدابة ورب الثوب ونحوها
(15)
(13)
في مشكل الآثار (1/ 338)، وانظر الأذكار للنووي (520).
(14)
انظر: تيسير العزيز الحميد ص (654).
(15)
انظر: مشكل الآثار (1/ 339)، أعلام الحديث (2/ 1271)، النهاية في غريب الحديث (2/ 179) الأذكار للنووي (520)، فتح الباري (5/ 179).