الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث شبهات والجواب عنها
الشبهة الأولي:
1 -
استدل الحلولية
(1)
على قولِهم بأن الله تعالى حالٌ في جميع خلقه وأنه تعالى موجود بذاته في كل مكان بقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ}
(2)
وبقوله عز وجل: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}
(3)
ولا شك أن هذا الاستدلال باطل، يتبين بطلانه من عدة وجوه:
أحدها: أن الإجماع منعقد على أن المراد بِهذه المعية: العلم وإذا وجد الإجماع فلا عبرة بقول أيِّ أحدٍ كائنًا من كان، وقد حكى الإجماع على أن المراد بِهذه المعية العلم غير واحد من أهل العلم أذكر منهم ما يلى:
1 -
إسحاق بن راهويه وقد سبق نقل كلامه
(4)
.
2 -
ابن أبي شيبة فإنه قال: "ففسرت العلماء قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ}
(1)
الحلولية: هم الذين يعتقدون أن الله تعالى بذاته حل في مخلوقاته كما يحل الماء في الإناء، وأنه تعالى بذاته في كل مكان تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، وهو الذي ذكره أئمة أهل السنة والحديث عن طائفة من الجهمية المتقدمين من عبادهم، كما أن القول بالحلول هو عقيدة غلاة الصوفية والفلاسفة كابن عربي وابن سبعين والحلاج وغيرهم.
وأول من قال ببدعة الحلول في الإسلام هم الروافض حيث ادعوا الحلول في أئمتهم. (انظر مجموع الفتاوى (2/ 171، 172، 180 وما بعدها) الفرق بين الفرق (228)).
(2)
سورة المجادلة. آية (7).
(3)
سورة الحديد. آية (5).
(4)
انظر ص (271).
يعني علمه"
(5)
.
3 -
الآجري فإنه فسر المعية في الآيات السابقة بالعلم ثم قال بعد ذلك: "وهذا قول المسلمين"
(6)
.
4 -
ابن بطه وقد سبق نقل كلامه
(7)
.
5 -
الطلمنكى فإنه قال رحمه الله: "وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ونحو ذلك من القرآن: أن ذلك علمه وأن الله فوق السموات بذاته مستوٍ على عرشه كيف شاء"
(8)
.
6 -
ابن عبد البر فإنه قال رحمه الله: "وأما احتجاجهم بقوله عز وجل: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله"
(9)
.
7 -
شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه قال في العقيدة الواسطية: "وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله به في كتابه وتواتر عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه علىٌّ على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، كما جَمع بيْن
(5)
محمد بن أبي شيبة وكتابه العرش (288).
(6)
الشريعة (3/ 1076) وسيأتي قريبًا نقل كلامه هذا.
(7)
انظر ص (272). وانظر: ص (144) من كتابه المختار من الإبانة.
(8)
درء التعارض (6/ 250) وانظر: اجتماع الجيوش الإسلامية (142) العلو للذهبى (246).
(9)
التمهيد (7/ 138).
ذلك في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وليس معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته وهو موضوع في السماء وهو مع المسافر أينما كان .. وكل هذا الكلام الذي ذكره الله -من أنه فوق العرش وأنه معنا- حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة"
(10)
.
- كما أن تفسير المعية بالعلم مأثور عن عدد كبير من السلف، كابن عباس
(11)
والضحاك
(12)
ومقاتل بن سليمان
(13)
وسفيان الثوري
(14)
ونعيم ابن حماد
(15)
وأحمد بن حنبل
(16)
عليهم رحمة الله.
الوجه الثاني: أن سياق الآية {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى} يدل على أنه أراد بالمعية العلم لأنه افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم.
(10)
العقيدة الواسطية بشرح الهراس (193).
(11)
انظر السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (1/ 306)، شرح حديث النُّزول لابن تيمية (356).
(12)
انظر: السنة لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل (1/ 304)، الشريعة للآجرى (3/ 1079)، المختار من الإبانة لابن بطة (153)، الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 341).
(13)
انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي (3/ 444) الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 342).
(14)
انظر: السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (1/ 306) الشريعة للآجرى (3/ 1078) المختار من الإبانة (155) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 445) الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 341).
(15)
انظر: المختار من الإبانة لابن بطة (146).
(16)
انظر: الرد على الزنادقة والجهمية له (95) مطبوع ضمن كتاب عقائد السلف، وانظر: المختار من الإبانة (159، 160)، الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 342).
قال الآجري: "والذي يذهب إليه أهل العلم أن الله عز وجل سبحانه على عرشه فوق سمواته وعلمه محيط بكل شىء .. فإن قال قائل: فأيش معنى قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}
(17)
التي بِها يحتجون؟ قيل له: علمه عز وجل، والله عز وجل على عرشه وعلمه محيط بِهم وبكل شىء من خلقه، كذا فسره أهل العلم والآية يدل أولها وآخرها على أنه العلم.
فإن قال قائل: كيف؟ ! قيل: قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} إلى آخر الآية قوله: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فابتدأ الله عز وجل الآية بالعلم وختمها بالعلم فعلمه عز وجل محيط بجميع خلقه وهو على عرشه، وهذا قول المسلمين"
(18)
.
الوجه الثالث: أن "لفظ المعية ليست في لغة العرب ولا شيء من القرآن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى كما في قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}
(19)
وقوله: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}
(20)
وقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
(21)
وقوله: {جَاهَدُوا مَعَكُمْ}
(22)
ومثل هذا كثير فامتنع أن يكون قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} يدل على أن ذاته مختلطة بذوات الخلق"
(23)
.
(17)
سورة المجادلة. آية (7).
(18)
الشريعة (3/ 1075) وانظر: الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد (95) مطبوع ضمن كتاب عقائد السلف، وانظر: المختار من الإبانة (144).
(19)
سورة الفتح. آية (29).
(20)
سورة النساء. آية (146).
(21)
سورة التوبة. آية (119).
(22)
سورة الأنفال. آية (75).
(23)
شرح حديث النزول لابن تيمية (360) وانظر مجموع الفتاوى (5/ 103، 104).