الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني مذاهب العلماء تجاه هذا التعارض
لا تخرج أقوال أهل العلم في هذه المسألة عن مذهب الجمع، وقد جاءت هذه الأقوال متقاربة يمكن رد بعضها إلى بعض وتقسيمها إلى ثلاثة أقوال كما يلى:
القول الأول:
ما ذهب إليه القاضى عياض رحمه الله وهو التفريق بين استعمالها لما مضى وانقضى وليس في القدرة ولا في الإمكان فعله، وبين استعمالها في الخبر عما يُستقبل مما لا اعتراض فيه على قدر.
فالأول مكروه كراهة تنزيه وعليه يُحمل حديث النهى، والثاني جائز لا كراهة فيه وعليه تحمل الأحاديث التى ذكرها البخاري في باب: ما يجوز من اللو
(1)
.
القول الثاني:
ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أن (لو) تستعمل على وجهين:
أحدهما: على وجه الحزن على الماضى والجزع من المقدور وهذا هو المنهى عنه كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا
(1)
انظر إكمال المعلم (8/ 158).
لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ}
(2)
.
والوجه الثاني: أن تستعمل (لو) لبيان علم نافع أو لبيان محبة الخير وإرادته، وهذا جائز فمثال الأول قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}
(3)
، ومثال الثاني: ما جاء في الحديث "لو أن لى مالًا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء"
(4)
،
(5)
.
قال النووي رحمه الله: "الظاهر أن النهى إنما هو عن إطلاق ذلك في ما لا فائدة فيه فيكون نهى تنزيه لا تحريم، فأما من قاله تأسفًا على ما فات من طاعة الله أو ما هو متعذر عليه من ذلك ونحو هذا فلا بأس به، وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث"
(6)
.
وقال القرطبى: "محل النهى عن إطلاقها إنما هو فيما إذا أطلقت في معارضة القدر، أو مع اعتقاد: أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور، فأما لو أخبر بالمانع على جهة أن تتعلق به فائدة في المستقبل، فلا يختلف في
(2)
سورة آل عمران. آية (156).
(3)
سورة الأنبياء. آية (22).
(4)
ونص الحديث بتمامه: "إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالًا وعلمًا فهو يتقى ربه ويصل رحمه ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا فهو صادق النية يقول: لو أنّ لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا يخبط في ماله بغير علم، ولا يتقى فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقًّا فهو بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء" أخرجه الترمذى من حديث أبى كبشة الأنمارى (تحفة 6/ 615) ح (2427) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 1413) ح (4228) وأحمد في المسند (5/ 272) ح (17563) وصححه الألباني كما في صحيح سنن ابن ماجه (3/ 377).
(5)
انظر مجموع الفتاوى (8/ 347 - 348) إعلام الموقعين لابن القيم (3/ 157) زاد المعاد (2/ 357). تيسير العزيز الحميد (688) فتح المجيد (557) القول السديد للسعدى (172).
(6)
مسلم بشرح النووى (16/ 456).