الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- الإمام البغوي فإنه قال في حديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن": "القول ما قال رسول الله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والعلم عند الله عز وجل"
(39)
.
- الشيخ محمد بن عبد الوهاب فإنه قال عن نصوص الوعد والوعيد: "أحسن ما قيل في ذلك: أمروها كما جاءت، معناه: لا تتعرضوا لها بتفسير"
(40)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "عامة علماء السلف يقرون هذه الأحاديث ويمرونَها كما جاءت ويكرهون أن تتأول تأويلات تخرجها عن مقصود رسول الله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"
(41)
.
ثانيًا: التوجيهات الخاصة بكل نوع من أنواع أحاديث الوعيد:
*
أولًا: توجيه الأحاديث المتعلقة بحكم الدنيا:
سبق ذكر جملة من الأحاديث في بعضها إطلاق لفظ الكفر على من ارتكب بعض الكبائر وفي بعضها نفى الإيمان عنه، وفي بعضها براءة الرسول صلى الله عليه وسلم منه، وقد تناول أهل العلم هذه الأحاديث بالشرح والبيان محاولين توجيهها لتتفق مع القاعدة التى سبق بيانُها ونَقْل الإجماع عليها، وجميع هذه التوجيهات لا تخرج عن مذهب الجمع، وإليك بيان ذلك:
* أما الأحاديث التي ورد فيها إطلاق لفظ الكفر على من ارتكب بعض الكبائر فقد جاءت توجيهات أهل العلم لها كالتالي:
1 -
أن المراد بالكفر في هذه الأحاديث: كفر دون كفر، أي ليس بالكفر
(39)
شرح السنة (1/ 91).
(40)
الدرر السنية (1/ 185).
(41)
مجموع الفتاوى (7/ 674).
المخرج من الملَّة وإنما هو كفر دونه، وهو الكفر الأصغر، وإلى هذا ذهب ابن عبَّاس وأصحابه كطاوس وعطاء وغيرهما
(42)
ونسبه شيخ الإسلام ابن تيمية لعامة السلف
(43)
.
2 -
أن المراد بالكفر في هذه الأحاديث الكفر اللغوي وهو الستر والتغطية للإحسان والنعم، فيكون معني هذا الكفر: كفر النعمة والإحسان، قالوا: ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم للنساء: "إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير"
(44)
وإلى هذا القول ذهب الطحاوي
(45)
رحمه الله.
3 -
أن المراد بيان أن هذه المعاصي من الأخلاق والسنن والأعمال التي عليها الكفار والمشركون، وإلى هذا ذهب الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام
(46)
، وكذا النووي
(47)
عليهما رحمة الله، وغيرهم.
4 -
أن المراد أن هذه المعاصي تؤول به إلى الكفر، وذلك لأن المعاصي بريد الكفر ويُخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر
(48)
.
* وأما الأحاديث التي ورد فيها نفي الإيمان عمَّن ارتكب بعض الكبائر فقد جاءت توجيهات أهل العلم لها كالتالي:
1 -
أن المراد بالمنفى في هذه الأحاديث إنما هو كمال الإيمان أي: ليس
(42)
انظر تفسير الطبري (4/ 596) الإبانة الكبرى (2/ 734 - 737) تحقيق رضا معطى، مجموع الفتاوى (7/ 312، 350).
(43)
انظر مجموع الفتاوى (7/ 350).
(44)
متفق عليه من حديث أبي سعيد: البخاري (1/ 116) ح (298) ومسلم (2/ 428) ح (80).
(45)
انظر مشكل الآثار (1/ 250) مسلم بشرح النووى (2/ 414) فتح البارى (1/ 112).
(46)
انظر كتاب الإيمان (43).
(47)
انظر مسلم بشرح النووي (2/ 417).
(48)
انظر مسلم بشرح النووى (2/ 409) فتح الباري (1/ 113).
بمستكمل الإيمان من فعل هذه المعاصى، وليس المراد نفى أصل الإيمان.
وإلى هذا ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام
(49)
وابن قتيبة
(50)
وابن عبدالبر
(51)
والنووي
(52)
وشيخ الإسلام ابن تيمية
(53)
وجمع من أهل العلم عليهم رحمة الله، بل جعله النووي القول الصحيح الذي عليه المحققون.
واستشهد أبو عبيد لهذا القول بقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل"
(54)
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لم يُرد نفى مطلق الصلاة لأنَّه قد رآه يصلي، وإنما أراد نفى حقيقة الصلاة وكمالها الواجب.
قال النووي رحمه الله: "وهذا من الألفاظ التى تطلق على نفى الشيء ويُراد نفى كماله ومختاره كما يُقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة"
(55)
.
ويحسن التنبيه هنا إلى أن المراد بالكمال المنفي إنما هو: الكمال الواجب، ولا يجوز أن يكون المراد الكمال المستحب، لأن من فعل الواجبات ولم ينتقص شيئًا منها لا يجوز أن يُقال إنه ما فعلها لا حقيقة ولا مجازًا، ولا يجوز أن يُنفى عنه الإيمان لأنَّه لم يفعل المستحبات.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم للمسىء صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل" إنما
(49)
انظر كتاب الإيمان (40 - 42).
(50)
انظر تأويل مختلف الحديث (160 - 161).
(51)
انظر التمهيد (9/ 243)
(52)
انظر مسلم بشرح النووي (2/ 401).
(53)
انظر مجموع الفتاوى (19/ 293). المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 129).
(54)
متفق عليه من حديث أبى هريرة رضي الله عنه: البخاري (1/ 263) ح (724). ومسلم (4/ 349) ح (397).
(55)
مسلم بشرح النووى (1/ 401). وانظر الإيمان لابن منده (2/ 595). وشرح السنة للبغوى (1/ 90).
كان لتركه واجب
(56)
.
فهذا القيد لا بد منه، وهو كون المراد بالكمال المنفى في هذه الأحاديث: الكمال الواجب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"اسم الإيمان إذا أطلق في كلام الله ورسوله فإنه يتناول فعل الواجبات وترك المحرمات، ومن نفى الله ورسوله عنه الإيمان فلا بد أن يكون قد ترك واجبًا أو فعل محرمًا فلا يدخل في الاسم الذي يستحق أهله الوعد دون الوعيد بل يكون من أهل الوعيد"
(57)
.
2 -
وقيل: المراد إنه ينْزع منه اسم المدح الذى يُسمى به أولياء الله المؤمنون، ويستحق اسم الذم فيُقال: سارق وزان وفاجر وفاسق، وإلى هذا ذهب الطبري رحمه الله
(58)
.
3 -
وقيل: إنه يُنْزع منه الإيمان عند ارتكاب الكبيرة فإذا فارقها عاد إليه الإيمان
(59)
.
واستدل من قال بِهذا القول: بقوله -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا زني الرجل خرج منه الإيمان كان عليه كالظلة فاذا انقلع رجع إليه الإيمان"
(60)
.
* وأما الأحاديث التي ورد فيها براءة الرسول -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن ارتكب بعض الكبائر فقد جاءت توجيهات أهل العلم لها كالتالي:
1 -
أن المراد: ليس من المطيعين لنا ولا من المقتدين بنا، ولا من
(56)
انظر مجموع الفتاوى (7/ 15، 524).
(57)
مجموع الفتاوى (7/ 42) وانظر (7/ 676).
(58)
انظر: تَهذيب الآثار للطبرى (2/ 640، 650) مسلم بشرح النووي (2/ 402).
(59)
انظر: تَهذيب الآثار للطبرى (2/ 648) شرح السنة للبغوى (1/ 90).
(60)
أخرجه أبو داود من حديث أبى هريرة (عون 12/ 295) ح (4676) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 887) ح (3924) وأخرجه الحاكم (1/ 72) ح (56) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبى، وصحح إسناده أيضًا الحافظ ابن حجر في الفتح (12/ 61).