الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث الترجيح
الذي يظهر -والله تعالى أعلم- عدم وصف يد الله تعالى بالشمال إذ أن إثبات شىء لله تعالى لابد أن يكون من طريق صحيح يمكن الاستناد إليه، لاسيما وقد ورد النص الصحيح الصريح بأن كلتا يديه يمين.
وأما الأدلة التى استدل بِها من أثبت وصف الشمال ليد الله تعالى فإنَّها لا تنهض لأن تكون حجة في ذلك:
1 -
أما حديث "يطوي الأرض بشماله .. " فلأن فيه عمر بن حمزة وهو ضعيف قال فيه الإمام أحمد: أحاديثه مناكير. وقال فيه النسائي: ضعيف. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان ممن يخطئ
(1)
. وقال فيه ابن حجر: ضعيف
(2)
.
2 -
وأما حديث أبي الدرداء فقد رواه عبد الله بن الإمام أحمد مختصرًا وتمامه كما عند أحمد بنفس السند: "خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنَّهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنَّهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي"
(3)
.
(1)
انظر تَهذيب الكمال (21/ 311) تَهذيب التهذيب (7/ 437).
(2)
تقريب التهذيب (1/ 715).
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (7/ 594) ح (26942) ومن طريقه رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 397) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 185): رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 77) ح (49): إسناده صحيح، وأخرجه الفريابي في كتاب القدر (52) ح (36) وابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 309) ح (1329) تحقيق عثمان الأثيوبى.=
وبِهذا يتضح أن الضمير في قوله: "وقال للذي في يساره .. " -في رواية عبد الله بن الإمام أحمد- يعود إلى آدم عليه السلام، وعليه فليس في هذا الحديث حجة لمن أثبت صفة الشمال ليد الله تعالى.
3 -
وأما قولهم: إن وصف إحدى يدي الله تعالى باليمين يدل على أن الأخرى ليست يمينًا فتكون شمالًا فقول صحيح لو لم يرد في النصوص ما يدل على أن كلتا يدي الله تعالى يمين
(4)
.
ولكن مما ينبغى التنبيه عليه هنا -مما له علاقة بِهذه المسألة- أن صفات الله تعالى تتفاضل فبعضها أفضل من بعض، ولا يلزم من ذلك أن تكون الصفة المفضولة ناقصة أو معيبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والنصوص والآثار في تفضيل كلام الله، بل وتفضيل بعض صفاته على بعض متعددة، وقول القائل:(صفات الله كلها فاضلة في غاية التمام والكمال ليس فيها نقص) كلام صحيح ولكن توهمه أنه إذا كان بعضها أفضل من بعض كان المفضول معيبًا منقوصًا خطأ منه، فإن النصوص تدل على أن بعض أسمائه أفضل من بعض، ولهذا يُقال: دعا الله باسمه الأعظم، وتدل على أن بعض صفاته أفضل من بعض، وبعض أفعاله أفضل من
= وجدير بالتنبيه هنا: أن الذرية السوداء في هذه الرواية من نصيب الكتف اليسرى. بينما في رواية عبد الله بن الإمام أحمد -التى سبق ذكرها- من نصيب الكتف اليمني، والذي يظهر هو أَنَّها من نصيب الكتف اليسرى كما في رواية الإمام أحمد والتي فيها سياق الحديث بتمامه لأنَّها يشهد لها النصوص الكثيرة التي فيها أن أهل السعادة من نصيب اليمين وأهل الشقاوة من نصيب الشمال، ثم هى الأشبه والموافق للنصوص الكثيرة التي فيها تكريم اليمين على الشمال والله أعلم.
(4)
انظر: صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي السقاف (282).
بعض"
(5)
.
وقال أيضًا: "وإذا عُلم ما دل عليه الشرع مع العقل واتفاق السلف من أن بعض القرآن أفضل من بعض، وكذلك بعض صفاته أفضل من بعض .. "
(6)
.
وعلى هذا فلا يلزم من قوله: "كلتا يديه يمين" تساويهما في الفضل، فإن اليد اليمنى أفضل من اليد الأخرى، وإلا لما كان للمقسطين مزية في كونهم عن يمين الرحمن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وفي الصحيحين عن أبي موسى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه، والقسط بيده الأخرى يرفع ويخفض"
(7)
، فبين صلى الله عليه وسلم أن الفضل بيده اليمنى، والعدل بيده الأخرى، ومعلوم أنه مع أن كلتا يديه يمين فالفضل أعلى من العدل، وهو سبحانه كلُّ رحمة منه فضل، وكلُّ نقمة منه عدل، ورحمته أفضل من نقمته، ولهذا كان المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن ولم يكونوا عن يده الأخرى وجَعْلُهم عن يمين الرحمن تفضيل لهم، كما فضل في القرآن أهل اليمين وأهل الميمنة على أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة، وإن
(5)
مجموع الفتاوى (17/ 89).
(6)
مجموع الفتاوى (17/ 103).
(7)
تقدم تخريجه عن أبى هريرة ص (243)، وفيه بدل "القسط":"الميزان"، ولم أجده في الصحيحين عن أبى موسى؟ ! !
كانوا إنما عذبَهم بعدله، وكذلك الأحاديث والآثار جاءت بأن أهل قبضة اليمين هم أهل السعادة، وأهل القبضة الأخرى هم أهل الشقاوة"
(8)
.
* * *
(8)
مجموع الفتاوى (17/ 93).