الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث الترجيح
أ: أما ما يتعلق بلفظة "رَبّ":
فالراجح -والله أعلم- هو القول بالتحريم، سواءً كان إطلاقها مع الإضافة أو بدونِها إلا ما لا تعبد عليه من سائر الحيوان والجماد فإنه لا بأس بإطلاق هذا الاسم عليه عند الإضافة كقولك: رب الدابة ورب الدار ونحو ذلك.
وكذلك ما كان على سبيل الوصف والإخبار من الغير فإنه لا بأس به كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "أن تلد الأمة ربتها".
سبب الترجيح:
1 -
أن الأصل في النهي التحريم إلا إذا صرفه صارف ولا صارف هنا وأما ما استُدل به للجواز فيمكن الإجابة عنه كما تقدم.
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم علل النهي بما يقتضي التحريم فقال: "ولا يقولنَّ المملوك ربِّي وربَّتي وليقل المالك فتاي وفتاتي وليقل المملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملكون والرب الله تعالى"
(1)
.
قال الخطابي في سبب النهي: "لأن الإنسان مربوب متعبَّد بإخلاص التوحيد لله عز وجل وترك الإشراك معه، فكره له المضاهاة بالاسم لئلا يدخل
(1)
أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة (عون 13/ 218) ح (4965). وأحمد (3/ 154) ح (9188) وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 456): سنده صحيح على شرط مسلم.
في معني الشرك، والحر والعبد في هذا بمنْزلة واحدة"
(2)
.
3 -
أن الأدلة التي استُدل بِها للجواز يمكن الإجابة عنها كما تقدم، وأرجح هذه الأجوبة -والله تعالى أعلم- ما يلى:
- أما الآية وهى قوله تعالى عن يوسف: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} فالذي يترجح فيها هو ما ذهب إليه ابن العربي وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما من أن هذا جائز في شرع يوسف صلى الله عليه وسلم ومنهى عنه في شرعنا.
- وأما ما أجاب به الطحاوي وابن الأثير عن الآية وهو أن يوسف عليه السلام خاطبهم على المتعارف عندهم وعلى ما كانوا يسمونَهم به فإنه يشكل عليه قول الله تعالى عن يوسف عليه السلام: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} لأن أكثر المفسرين أرجعوا الضمير في قوله {رَبِّي} إلى سيده وهو العزيز
(3)
.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة "حتى تلد الأمة ربَّها" فأرجح الأجوبة فيها -والله تعالى أعلم- ما ذهب إليه سليمان بن عبد الله من التفريق بين الدعاء والتسمية وبين الوصف فالأول محرم والثاني جائز وهو الذي يُحمل عليه الحديث.
- وأما الأجوبة الأخرى عن الحديث فضعيفة لأنَّها مبنية على رواية التأنيث - "ربتها" والحديث كما أنه ورد بالتأنيث فإنه قد ورد أيضًا بالتذكير "ربَّها".
(2)
أعلام الحديث (2/ 1271). وانظر: المفهم (5/ 553)، مسلم بشرح النووي (15/ 9). النهاية (2/ 179). فتح الباري (5/ 179).
(3)
انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري (7/ 182). الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (9/ 165). تفسير ابن كثير (2/ 732).
* وأما الأجوبة العامة عن أدلة الجواز فيُجاب عنها بما يلي:
- أما الجواب الأول وهو: حمل النهي على الكراهة وما ورد لبيان الجواز فيرده ما تقدم من توجيه أدلة الجواز.
- وأما الجواب الثاني وهو: أن محل النهي هو أن لا تُتخذ هذه الأسماء عادة، فيحتاج إلى دليل ولا دليل لديهم وليس في الحديث ما يشير إلى ذلك.
- وأما الجواب الثالث وهو: التفريق بين ما كان بدون إضافة فيحرم وما كان مع الإضافة فيجوز فلا يخفى ما فيه من الضعف لأن حديث النهي ورد بالإضافة "لا يقل أحدكم أطعم ربك".
كما أنه بدون الإضافة يكاد يكون محل إجماع أنه محرم وعلى هذا فلا جديد في هذا القول قال النووي رحمه الله: "قال العلماء: لا يطلق الرب بالألف واللام إلا على الله تعالى خاصة"
(4)
.
- وأما الجواب الرابع وهو: دعوى الخصوصية فيحتاج إلى دليل لأن الأصل في فعله صلى الله عليه وسلم عدم الخصوصية إلا ما قام الدليل على أنه خاص به صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
ب- وأما ما يتعلق بلفظة "مولاي":
فإن الراجح -والله تعالى أعلم- مذهب الجمع وهو حمل النهي على الكراهة أو على خلاف الأولى وما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: "وليقل: سيدي مولاي" فلبيان الجواز.
- وأما ما ذهب إليه القائلون بالترجيح
(5)
ودعواهم بأن الجمع متعذر
(4)
الأذكار (520).
(5)
أي ترجيح رواية الجواز على رواية النهي.
فمتعقب بأن الجمع ممكن -كما تقدم- والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع، ولذلك قال سليمان بن عبد الله رادًّا على مذهب الترجيح:"قلت: الجمع ممكن بحمل النهي على الكراهة أو على خلاف الأولى"
(6)
.
وقال أبو جعفر النحاس: "لا نعلم اختلافًا بين العلماء أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين مولاي"
(7)
.
ج - وأما ما يتعلق بلفظ العبد والأمة فالراجح هو: ما تقدم بيانه من أن النهي متوجه إلى السيد لأنه مظنة الاستطالة والتعاظم، وأما استعمال هذين اللفظين من الغير للتعريف والإخبار والوصف فجائز.
د- وأما ما يتعلق بمسألة الجمع بين الله تعالى وسوله صلى الله عليه وسلم في ضمير واحد فالذي يظهر والله تعالى أعلم هو كراهة ذلك لما قد يوهم من التسوية بين الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولعل أمر النبي صلى الله عليه وسلم الخطيب بالعطف من هذا الباب، ومن باب -أيضًا- تعظيم الله تعالى وتوقيره والتأدب معه، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر المشهور "إنما الأعمال بالنيات .. " قال:"فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله .. " ولم "يقل في الجزاء: فهجرته إليهما، وإن كان أخصر، بل أتى بالظاهر فقال: فهجرته إلى الله ورسوله، وذلك من آدابه في تعظيم اسم الله أن يُجمع مع ضمير غيره"
(8)
.
(6)
تيسير العزيز الحميد ص (655).
(7)
نقل ذلك عنه النووي في الأذكار ص (521).
(8)
طرح التثريب (2/ 24).