الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول ذكر الأحاديث التي قد يوهم ظاهرها التعارض
الأحاديث في هذه المسألة تتناول ثلاثة أشياء وهى كالتالي:
الأول: علو الله تعالى: والأحاديث في إثبات هذه الصفة لله تعالى كثيرة متنوعة:
أ - فمنها التصريح بلفظ العلو المطلق، كما في حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم المرض الذي مات فيه جعل يقول: "في الرفيق الأعلى"
(1)
، فهذا اللفظ يتناول جميع مراتب العلو ذاتًا وقدرًا وقهرًا
(2)
.
ب - التصريح بالفوقية وأنه تعالى ليس فوقه شىء، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء"
(3)
.
ج - التصريح بكونه تعالى في السماء، كما في حديث أيي سعيد الخدري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً"
(4)
.
(1)
أخرجه البخارى: كتاب المغازي، باب: مرض النبى صلى الله عليه وسلم ووفاته. (4/ 1613) ح (4172).
(2)
وقد جاء هذا اللفظ -أعني العلو- في عدة أحاديث، انظر مثلًا: البخاري: كتاب التفسير، باب: قوله {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} (4/ 1736) ح (4424).
وكتاب الجهاد، باب: ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب. (3/ 1105) ح (2874).
(3)
أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة في كتاب الذكر والدعاء، باب: ما يقول عند النوم. (17/ 39) ح (2713).
(4)
متفق عليه: البخارى: كتاب المغازى، باب: بعثُ علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن. (4/ 1581) ح (4094). ومسلم: كتاب الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتِهم. (7/ 168) ح (1064).
وكما في إقراره صلى الله عليه وسلم للجارية حين سألها بقوله: "أين الله؟ " قالت: في السماء. قال: "من أنا؟ " قالت: رسول الله. قال: "أعتقها فإنَّها مؤمنة"
(5)
.
والسماء تطلق لغة على العلو والارتفاع كما تطلق على السماء المعروفة -والتي هى سقف الأرض- فإن حملنا الحديث على المعنى الأول فالأمر ظاهر، وإن حملناه على المعنى الثاني كانت "في" بمعنى "على" وهذا جائز في اللغة، ونظيره قوله تعالى حكاية عن فرعون {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}
(6)
أي على جذوع النخل.
د - التصريح بنزوله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، كما في حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ينْزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"
(7)
، والنُّزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى أسفل.
هـ - إخباره صلى الله عليه وسلم بعروج الأشياء وصعودها وارتفاعها إلى الله تعالى، لأن العروج والصعود والارتفاع لا يكون إلا لمن كان في العلو.
- فمن إخباره صلى الله عليه وسلم بعروج الأشياء إليه: ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار
(5)
أخرجه مسلم: من حديث معاوية بن الحكم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة. (5/ 23) ح (537).
(6)
سورة طه، آية (71).
(7)
متفق عليه: البخاري: كتاب التهجد، باب: الدعاء والصلاة من آخر الليل. (1/ 384) ح (1094). ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل. (6/ 282) ح (758).
ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بِهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون"
(8)
.
- ومن إخباره صلى الله عليه وسلم بصعود الأشياء إليه، ما جاء في حديث أبي هريرة رضى الله عنه -أيضًا- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل"
(9)
.
- ومن إخباره صلى الله عليه وسلم بارتفاع الأشياء إليه: ما جاء في حديث أبي موسى رضى الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور -وفي رواية النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"
(10)
.
و- الإشارة الحسية إلى الله تعالى في العلو كما جاء ذلك في حديث جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون" قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس "اللهم اشهد، اللهم اشهد" ثلاث مرات
(11)
.
(8)
متفق عليه: البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: فضل صلاة العصر. (1/ 203) ح (530). ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر. (5/ 138) ح (632).
(9)
متفق عليه: البخاري: كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} . (6/ 2702) ح (6992). ومسلم: كتاب الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب. (7/ 102) ح (1014).
(10)
أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب: قوله عليه السلام: "إن الله لا ينام". (3/ 16) ح (179).
(11)
أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب: حجة النبى صلى الله عليه وسلم. (8/ 420) ح (1218).
والثاني -مما تناولته أحاديث هذه المسألة-: معيته تعالى لخلقه كما في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "ارْبَعُوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم"
(12)
.
والثالث: قربه تعالى ودنوه من عباده: ومن أمثلة ذلك:
- ما جاء في حديث أيى موسى رضى الله عنه -السابق-: "إنكم تدعون سميعًا قريبًا" وفي رواية لمسلم: "والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم".
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني. فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"
(13)
.
- وعن أبي هريرة رضى الله عنه -أيضًا - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء"
(14)
.
- وعن عائشة رضى الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بِهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء"
(15)
(12)
متفق عليه: البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة خيبر. (4/ 1541) ح (3968). ومسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: استحباب خفض الصوت بالذكر. (17/ 29) ح (2704).
(13)
متفق عليه: البخاري: كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} . (6/ 2694) ح (6970). ومسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: الحث على ذكر الله تعالى. (17/ 5) ح (2675).
(14)
أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسحود. (4/ 445) ح (482).
(15)
أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب: فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (9/ 125) ح (1348).