الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبل نزول الفرائض والأمر والنهي ثم نزلت نصوص الفرائض فنسختها
(15)
.
قال ابن رجب بعد ذكره لبعض القائلين بِهذا القول: "وهؤلاء منهم من يقول في هذه الأحاديث: إنَّها منسوخة، ومنهم من يقول: هي محكمة ولكن ضم إليها شرائط.
ويلتفت هذا إلى أن الزيادة على النص: هل هي نسخ أم لا؟ والخلاف في ذلك بين الأصوليين مشهور:
وقد صرح الثوري وغيره بأنها منسوخة، وأن نسخها الفرائض والحدود، وقد يكون مرادهم بالنسخ البيان والإيضاح فإن السلف كانوا يطلقون النسخ على مثل ذلك كثيرًا ويكون مقصودهم أن آيات الفرائض والحدود تَبَيَّن بها توقف دخول الجنة والنجاة من النار على فعل الفرائض واجتناب المحارم، فصارت تلك النصوص منسوخة، أي: مبيَّنة مُفسَّرة، ونصوص الفرائض والحدود ناسخة أي: مفسِّرة لمعني تلك موضِّحة لها"
(16)
.
القسم الثاني: توجيهات أهل العلم لأحاديث الوعيد
قبل ذكر هذه التوجيهات لا بد من بيان قاعدة مهمة اتفق عليها أهل السنة والجماعة فأصبحوا يوجهون نصوص الوعيد حتي لا تتعارض مع هذه القاعدة، وهذه القاعدة هى كالتالي:
- أجمع أهل السنة والجماعة على عدم كفر مرتكب الكبيرة، وعدم خروجه من الإسلام ما لم يكن مستحلًّا لها
(17)
.
(15)
انظر سنن الترمذي (تحفة 7/ 293) التوحيد لابن خزيمة (2/ 775) الشريعة للآجري (2/ 555) شرح السنة للبغوي (1/ 103) كتاب الإيمان من إكمال المعلم للقاضى عياض (1/ 223) التوحيد لابن رجب (45).
(16)
التوحيد (46).
(17)
انظر التمهيد لابن عبد البر (17/ 22) وشرح السنة للبغوي (1/ 103) ومسلم بشرح النووي (2/ 401). شرح العقيدة الطحاوية (442).
- كما أجمعوا على أنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد وإن ارتكب بعض الكبائر
(18)
.
- وأجمعوا أيضًا على أن مقترف الذنب مستحق للوعيد المرتب على ذلك الذنب
(19)
.
- كما أجمعوا على أن مرتكب الكبيرة إن مات ولم يتب فأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه ثم أدخله الجنة، وإن شاء أدخله الجنة ابتداءً
(20)
.
قال النووي رحمه الله: "اعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحدًا دخل الجنة قطعًا على كل حال، فإن كان سالمًا من المعاصى أو مرتكبًا لبعضها ولكنه تاب منها ولم يحدث معصية بعد توبته فإنه يدخل الجنة ولا يدخل النار أصلًا.
وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى، فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولًا وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصى ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل"
(21)
.
وقد دل على هذه القاعدة الكتاب والسنة والإجماع والنظر الصحيح.
أما الكتاب فقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ}
(22)
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه
(18)
انظر مجموع الفتاوى (7/ 222) شرح العقيدة الطحاوية (442) لوامع الأنوار (1/ 370).
(19)
انظر شرح العقيدة الطحاوية (444).
(20)
مسلم بشرح النووى (1/ 331).
(21)
مسلم بشرح النووى (1/ 331).
(22)
سورة النساء، آية (48).
بقوله: "باب المعاصى من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابِها إلا بالشرك"
(23)
ثم ذكر هذه الآية.
- وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة رضي الله عنه: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله. ومن أصاب من ذلك شيئًا
(24)
فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله. إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه"
(25)
.
قال النووي في فوائد هذا الحديث: "منها الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصى غير الكفر لا يقطع لصاحبها بالنار إذا مات ولم يتب منها بل هو بمشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه"
(26)
.
وقال ابن حجر في هذا الحديث: "إنه تضمن الرد على من يقول: إن مرتكب الكبيرة كافر أو مخلد في النار"
(27)
.
- وأما كون مقترف الذنب مستحق للوعيد فقد دلت عليه أحاديث الشفاعة.
- وأما الإجماع فقد تقدم نقله فِى القاعدة السابقة
(28)
.
(23)
صحيح البخارى (1/ 20).
(24)
قال النووي: هذا عام مخصوص بالشرك لأنَّه لا يغفر، انظر مسلم بشرح النووي (11/ 236).
(25)
متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب: علامة الإيمان حب الأنصار (1/ 15) ح (18). ومسلم، كتاب الحدود، باب: الحدود كفارات لأهلها. (11/ 235) ح (1709).
(26)
مسلم بشرح النووي (11/ 236).
(27)
فتح البارى (1/ 64).
(28)
انظر ص (351 - 352).