الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني مذاهب العلماء تجاه هذا التعارض
بناءً على ما سبق من الأحاديث اختلف أهل العلم في حكم الحلف بغير الله تعالى على قولين:
أ - الكراهة.
ب - والتحريم
(1)
.
ومحل الخلاف في غير الصورتين التاليتين:
1 -
إذا اعتقد الحالف في المحلوف به تعظيمًا مثل تعظيم الله تعالى فهذا محرم بالاتفاق بل هو كفر وردة عند جميع المذاهب.
2 -
إذا كان المحلوف به مذمومًا في الشرع، كما إذا كان مما يُعبد من دون الله تعالى كاللات والعزى وغيرهما فهذا أيضًا محرم بالاتفاق، وبعضهم أطلق الكفر على الحالف بذلك وبعضهم قيده بقصد التعظيم
(2)
.
فهاتان الصورتان محرمتان بالإحماع، ويبقى الخلاف حينئذٍ فيما عداهما، ويمكن حصره في صورتين أيضًا هما:
1 -
إذا اعتقد في المحلوف به تعظيمًا لا يصل إلى درجة تعظيم الله تعالى وكان هذا المحلوف به معظمًا في الشرع كالملائكة والأنبياء والكعبة ونحوها.
2 -
إذا اعتقد في المحلوف به تعظيمًا لا يصل إلى درجة تعظيم الله تعالى
(1)
وهناك من قال بالجواز بدون كراهة كبعض الأحناف المتأخرين وأدلتهم على ذلك هى أدلة من قال بالكراهة. انظر حاشية ابن عابدين (3/ 705) ولا شك أن هذا خلاف ضعيف لا يُعتد به.
(2)
انظر: بدائع الصنائع للكاساني (3/ 8، 9). المقدمات الممهدات لابن رشد (1/ 406، 407). أحكام الأحكام لابن دقيق العيد (4/ 144). روضة الطالبين للنووي (11/ 6، 7). كشاف القناع للبهوتي (6/ 234). عقيدة ابن عبد البر للغصن (201/ 202).
وكان هذا المحلوف به ليس بمعظم ولا مذموم.
ففى هاتين الصورتين وقع الخلاف بين أهل العلم على قولين:
القول الأول: أن الحلف بغير الله تعالى مكروه، وهذا هو المشهور عند المالكية
(3)
وقولُ جمهور الشافعية
(4)
وقولٌ عند الحنفية
(5)
والحنابلة
(6)
.
واستدل هؤلاء بما يلى:
1 -
الأحاديث التي ظاهرها حلف النبي صلى الله عليه وسلم بغير الله تعالى كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "أفلح وأبيه إن صدق" وقوله: "أما وأبيك لتنبأن".
2 -
إقسام الله تعالى في كتابه ببعض مخلوقاته كقوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا}
(7)
وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}
(8)
إلى غير ذلك من الآيات.
فكأن هؤلاء القائلين بالكراهة حملوا أحاديث النهي عن الحلف بغير الله تعالى على الكراهة والتنْزيه، وحملوا ما استدلوا به من الأدلة على بيان الجواز.
القول الثاني: أن الحلف بغير الله تعالى محرم.
وهذا هو المشهور عند الحنفية
(9)
والحنابلة
(10)
وجزم به
(3)
انظر: المقدمات الممهدات لابن رشد (1/ 406، 407). أحكام الأحكام (4/ 144). طرح التثريب (7/ 142). فتح الباري (11/ 531). سبل السلام (4/ 196).
(4)
انظر: الأم للشافعى (7/ 64). روضة الطالبين للنووي (11/ 6، 7) فتح الباري (11/ 531) سبل السلام (4/ 196).
(5)
انظر: حاشية ابن عابدين (3/ 705).
(6)
انظر: المغنى لابن قدامة (11/ 163). الفروع لابن مفلح (6/ 340). فتح الباري (11/ 531).
(7)
سورة الشمس. آية (1، 2).
(8)
سورة الطارق. آية (1).
(9)
انظر: بدائع الصنائع (3/ 8، 9). المبسوط للسرخسى (8/ 143). مجموع الفتاوى (1/ 204).
(10)
انظر: المغنى (11/ 162). الفروع لابن مفلح (6/ 340). مجموع الفتاوى (1/ 204). طرح التثريب (7/ 142). فتح الباري (11/ 531). سبل السلام (4/ 196).
الظاهرية
(11)
، وهو قولٌ عند المالكية
(12)
والشافعية
(13)
.
واستدل هؤلاء بما يلى:
1 -
الأحاديث التي سبق ذكرها والتى فيها النهى عن الحلف بغير الله تعالى كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم" وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وغيرها من الأحاديث. والأصل في النهي التحريم ما لم يصرفه صارف، ولا صارف هنا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "والصحيح أنه نَهى تحريم"
(14)
.
وقال الصنعاني بعد ذكره لبعض الأحاديث التي سبقت: "الحديثان دليل على النهى عن الحلف بغير الله تعالى، وهو للتحريم كما هو أصله"
(15)
.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن النهى عن الحلف بغير الله تعالى لا يختص بالآباء كما هو ظاهر الأحاديث السابقة، بل يتعدى إلى كل مخلوق، وإنما خُص الآباء بالذكر في الحديث لأمرين: -
أ - وروده على سبب، وهو سماعه عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحلف بأبيه.
ب - خروجه مخرج الغالب لأنه لم يكن يقع منهم الحلف بغير الله تعالى -غالبًا- إلا بالآباء ويدل على ذلك قوله في بعض روايات حديث ابن عمر: وكانت قريش تحلف بآبائها، فقال:"لا تحلفوا بآبائكم".
(11)
انظر: المحلى (6/ 281، 284). فتح الباري (11/ 531). سبل السلام (4/ 196).
(12)
انظر: أحكام الأحكام (4/ 144). فتح البارى (11/ 531).
(13)
انظر: روضة الطالبين (11/ 6، 7). مجموع الفتاوى (1/ 204). فتح الباري (11/ 531).
(14)
مجموع الفتاوى (1/ 335).
(15)
سبل السلام (4/ 196).
ويدل على أن النهي عام في الآباء وغيرهم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو فليصمت" وفي رواية: "من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله"
(16)
.
2 -
الأحاديث التي فيها وصف الحلف بغير الله تعالى بالشرك والكفر ومن ذلك:
أ - حديث ابن عمر صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلًا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يُحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"
(17)
.
ب - حديث قُتيلة بنت صيفى -امرأة من جهينة-: أن يهوديًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تُنَدِّدون وإنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، ويقولوا: ما شاء الله ثم شئت
(18)
.
وقد أجاب أصحاب هذا القول عن أدلة القائلين بالكراهة بما يلي:
أ - أما الأحاديث التي ظاهرها حلف النبي صلى الله عليه وسلم بغير الله تعالى كقوله صلى الله عليه وسلم:
(16)
انظر: طرح التثريب (7/ 142). المفهم (4/ 621). فتح الباري (11/ 533).
(17)
أخرجه الترمذي (تحفة 5/ 135) ح (1574) وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود (عون 9/ 56) ح (3249) وأحمد (8/ 221) ح (6072). والحاكم (4/ 330) ح (7814) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه (10/ 199) ح (4358) وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند. والألباني في الإرواء (8/ 189) ح (2561).
(18)
أخرجه النسائى (7/ 6) وأحمد (7/ 515) ح (26553) والطحاوي في مشكل الآثار (1/ 244) ح (838) والحاكم (4/ 331) ح (7815) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبى. وصحح الألباني إسناد النسائى كما في السلسلة الصحيحة (3/ 154، 155) ح (1166).