الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين توعدهم بِهذا الوعيد ما توعدهم، ويكون محلًّا فيما يستأنف بعد بآخرين دخانًا على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "
(3)
.
وقال النووي: "ويُحتمل أنَّهما دخانان للجمع بين هذه الآثار"
(4)
.
ثانيًا: مذهب الترجيح:
وقد سلكه فريقان من الناس
(5)
وإليك بيان ذلك:
الفريق الأول: ذهب إلى أن الدخان قد مضى وانتهى وهو ما أصاب مشركي مكة من الجهد والجوع حتي أصبح أحدهم إذا نظر إلى السماء يرى كهيئة الدخان.
وعلى رأس القائلين بِهذا ابن مسعود رضى الله عنه وتبعه على ذلك جماعة من السلف منهم أبو العالية وإبراهيم النخعي ومجاهد والضحاك وعطية العوفي
(6)
وهو اختيار ابن جرير الطبري
(7)
.
أدلة هذا الفريق:
ليس لهؤلاء ما يستدلون به سوى الآيات في سورة الدخان فقالوا: إن سياق الآيات يدل على أن المراد بِها ما أصاب مشركى مكة عندما دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبِهذا جزم ابن مسعود رضى الله عنه وغضب واشتد نكيره على من قال بخلاف هذا، وقال رضي الله عنه مستنكرًا: أفيُكشف عذاب الآخرة. أي إن
(3)
تفسير الطبري (11/ 228).
(4)
مسلم بشرح النووى (18/ 241).
(5)
وهناك فريق ثالث أو قول ثالث نقله القرطبى في تفسيره (16/ 131) عن عبد الرحمن الأعرج وهو: أن المراد بالدخان ما حصل يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة. ولا شك أن هذا بعيد جدًّا، ولذلك رده ابن كثير وقال:"هذا القول غريب جدًّا بل منكر" تفسير ابن كثير (4/ 211).
(6)
انظر: تفسير الطبرى (11/ 226) وتفسير ابن كثير (4/ 211).
(7)
انظر: تفسير الطبرى (1/ 228).
كشف العذاب ثم عودهم لما هم عليه لا يكون في الآخرة وإنما يكون في الدنيا.
قال ابن جرير الطبري: "قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} في سياق خطاب الله كفار قريش وتقريعه إياهم لشركهم بقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} ثم أتبع ذلك بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} أمرًا منه له بالصبر إلى أن يأتيهم بأسه وتَهديدًا للمشركين، فهو بأن يكون إذ كان وعيدًا لهم قد أحله بِهم أشبه من أن يكون أخَّره عنهم لغيرهم"
(8)
.
وقال الطحاوي مؤيدًا كون هذه الآيات إنما هى في ما أصاب مشركي مكة من الجهد والجوع، قال رحمه الله:"إن الله تعالى قال في كتابه في سورة الدخان: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} وأتبع ذلك قوله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} أي عقوبة لما هم عليه من الشك واللعب، ومحال أن يكون هاتان العقوبتان لغيرهم أو يؤتى بِهما بعد خروجهم من الدنيا وسلامتهم من ذلك الدخان"
(9)
.
وعلى هذا القول يكون معني قوله تعالى حكاية عن المشركين: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} أن الكافرين الذين أصابَهم ذلك الْجهد والجوع يدعون ربِّهم أن يكشفه عنهم ويقولون: إنك إن كشفته عنا آمنا بك وعبدناك، فيرد الله تعالى عليهم بقوله:{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} أي إنكم أيها المشركون إذا كشفت عنكم ما بكم من ضر عدتم إلى ضلالكم وغيِّكم
(10)
.
(8)
تفسير الطبرى (11/ 228).
(9)
مشكل الآثار (1/ 87).
(10)
انظر تفسير الطبري (1/ 228، 229).
كما أنه على هذا القول يكون المراد بالبطشة الكبرى في قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} بطشة الله تعالى بمشركى قريش يوم بدر كما ذهب إلى ذلك ابن مسعود رضي الله عنه
(11)
، وهو قول جماعة من السلف كابن عباس وأبي بن كعب رضي الله عنهم ومسروق ومجاهد وأبي العالية والضحاك وغيرهم
(12)
.
وقبل أن أنتقل إلى الفريق الثاني يحسن ذكر آيات سورة الدخان -المتعلقة بِهذه المسألة- مجتمعة حتي يفهم القول السابق ويتضح الربط بينها على ما قالوه.
والفريق الثانى: ذهب إلى أن الدخان آية وأمارة من أمارات الساعة لم تأت بعد، وهذا مروي عن ابن عباس
(13)
وابن عمر
(14)
وعلي بن أبى طالب
(15)
وأبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهم والحسن
(16)
وابن أبي مليكة
(17)
ورجح هذا القول
(11)
انظر ص (418).
(12)
انظر: تفسير الطبرى (11/ 230) تفسير القرطبى (16/ 134) تفسير ابن كثير (4/ 214).
(13)
أخرجه الطبرى فى تفسيره (11/ 227) وقال ابن كثير فى تفسيره (4/ 213): "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس".
(14)
أخرجه الطبرى في تفسيره (11/ 227).
(15)
أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره (10/ 3288).
(16)
أخرجه الطبرى في تفسيره (11/ 227).
(17)
انظر في نسبة هذا القول إلى هؤلاء: كشف المشكل لابن الجوزى (1/ 279) المفهم للقرطبي (7/ 239) مسلم بشرح النووى (18/ 240) التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة لصلاح الدين العلائى (63) لوامع الأنوار (2/ 129).