الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أراد من البشر أن يستقيم على الحق والإيمان والطاعة، فمن أراد الهداية فعليه بهذا القرآن، فإنه مناجاة له وهداية، ولا هداية فيما سواه.
قال الزمخشري: {لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ} بدل من {لِلْعالَمِينَ} وإنما أبدلوا منهم؛ لأن الذين شاؤوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر، فكأنه لم يوعظ به غيرهم، وإن كانوا موعوظين جميعا.
{وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ} أي وما تشاؤون الاستقامة ولا تقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله وتوفيقه، فليست المشيئة موكولة إليكم، فمن شاء اهتدى، ومن شاء ضل، بل ذلك كله تابع لمشيئة الله تعالى ربّ الإنس والجن والعالم كله. آمنت بالله وبما يشاء، فلا يقدر أحد على شيء إلا بما يخلق فيه من قوة، وبما يودع الله فيه من قدرة يتمكن من توجيهها نحو الإيمان والخير أو نحو الكفر والشر، وهذا يعني أن الله أودع في الناس قدرة الاختيار، بدليل الآيات الأخرى التي تنفي الإجبار والإكراه.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد، وإن لم يعلم وجه الحكمة في ذلك، كما قال القرطبي
(1)
.
2 -
أقسم الله تعالى بجميع الكواكب التي تخنس (تختفي) بالنهار وعند غروبها، وخنوسها: غيبتها عن البصر بالنهار، والتي تجري في أفلاكها، وتكنس، وكنوسها: ظهورها للبصر في الليل، كما يظهر الظبي أو الوحش من كناسه، ثم تغيب وتستتر في مغيبها تحت الأفق، لما في تحركها وظهورها مرة،
(1)
تفسير القرطبي: 237/ 19
واختفائها مرة أخرى من الدليل على قدرة خالقها ومصرّفها.
وأقسم الله أيضا بالليل إذا أقبل بظلامه لما فيه من السكون والرهبة، وبالصبح إذا أضاء وامتد حتى يصير نهارا واضحا، لما فيه من التفتح والبهجة.
والمقسم المحلوف عليه هو أن القرآن الكريم نزل به جبريل: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الواقعة 80/ 56]. وإنما نسب الكلام إلى جبريل عليه السلام باعتبار أنه الواسطة بين الله وبين أنبيائه ورسله.
3 -
وصف الله تعالى جبريل عليه السلام بخمسة أوصاف، هي: كريم عزيز على الله، ذو قوة في الحفظ وأداء، طاعة الله ومعرفته وترك الإخلال بها، وذو مكانة وجاه عند ربّ العرش، ومطاع بين الملائكة فهو من السادة الأشراف، وأمين على وحي الله ورسالاته، قد عصمه الله من الخيانة والزلل.
وقوله: {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ.} . هذه العندية ليست عندية المكان، كقوله تعالى:{وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ} [الأنبياء 19/ 21] وليست عندية الجهة، بدليل
قوله في الحديث: «أنا عند المنكسرة قلوبهم» بل عندية الإكرام والتشريف والتعظيم
(1)
.
4 -
ردّ الله تعالى على المشركين المتقولين بأن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون كما زعموا، بأنهم أعلم الناس بأمره، وبأنه أعقل الناس وأكملهم.
5 -
رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في صورته الحقيقية، له ست مائة جناح بالأفق المبين، أي بمطلع الشمس من قبل المشرق، فهو مبين؛ لأنه ترى الأشياء من جهته، وذلك ليتأكد ويطمئن بأنه ملك مقرب، لا شيطان رجيم.
6 -
أخبر الله تعالى عن نبيّه بأنه لا يضنّ بشيء من الغيب أي الوحي وخبر
(1)
تفسير الرازي: 73/ 31
السماء على أحد، وإنما يقوم بتعليمه وتبليغه دون انتقاص شيء منه، قال مجاهد:
لا يضنّ عليكم بما يعلم، بل يعلّم الخلق كلام الله وأحكامه.
7 -
بعد وصف كل من الرسول الوسيط جبريل والمرسل إليه بالأمانة في تبليغ الوحي، حسم الأمر في شأن القرآن، فأعلن بأن القرآن ليس بقول شيطان مرجوم ملعون، كما قالت قريش، ولا بقول كاهن ولا مجنون، وإنما هو موعظة وبيان وهداية للخلق أجمعين، لمن أراد أن يستقيم أي يتبع الحق ويقيم عليه.
8 -
حكم الله بعد هذا الوصف على قريش بالضلال والضياع بقوله: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} أي فأيّ طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بيّنت لكم، أو بعد هذه البيانات التي أوضحتها لكم.
9 -
لا يعمل العبد خيرا إلا بتوفيق الله، ولا شرا إلا بخذلانه، وليس للإنسان مشيئة إلا أن يشاء الله تعالى أن يعطيه تلك المشيئة، وفعل الاستقامة موقوف على إرادة الاستقامة. والله هدى بالإسلام، وأضل بالكفر.
والاستقامة: هي سلوك الصراط المستقيم صراط الله الذي له ما في السموات والأرض. قال الحسن البصري: والله هدى بالإسلام، وأضل بالكفر.
والاستقامة: هي سلوك الصراط المستقيم صراط الله الذي له ما في السموات والأرض. قال الحسن البصري: والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها.
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} [الأنعام: 111/ 6]، وقال سبحانه:{وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} [يونس: 100/ 10]، وقال عز وجل:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [القصص 56/ 28].