الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتبين أن كتاب الأبرار ضد كتاب الفجار بجميع معانيه، فيقبل العاقل على مقوّمات الأولين، ويبتعد عن محاكاة الآخرين.
التفسير والبيان:
{كَلاّ، إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} أي حقا، إن كتاب الأبرار وهم المؤمنون المخلصون العاملون المطيعون مرصود في كتاب بيّن مسطور، أو في أعالي الجنة، ومصيرهم إلى الجنة، وهم بخلاف الفجار، وهو بخلاف سجين.
{وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ؟ كِتابٌ مَرْقُومٌ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} أي وما أعلمك يا محمد أي شيء هو عليون؟ ويراد بذلك تفخيم أمره وتعظيم شأنه، إنه كتاب مسطور، سطرت فيه أسماؤهم وأعمالهم، وهو السجل الكبير، الذي تحضره الملائكة وتحفظه ويرونه كما يحفظ اللوح المحفوظ، أو يشهدون بما فيه يوم القيامة.
ثم أبان الله تعالى حالهم فقال:
{إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ} أي إن أهل الطاعة لفي تنعم عظيم يوم القيامة، وفي جنات الخلود، على الأسرّة التي في الحجال (ذات القبب الساترة) ينظرون إلى ما أعده الله لهم من أنواع النعيم في الجنة، وإلى ما لهم من الكرامات المادية والمعنوية، أما الماديات فهي مختلف أنواع الأطعمة الشهية والأشربة الهنية والحور العين والمراكب الفارهة والمساكن الفخمة، وأما المعنويات فأنساهم بالله ورؤيتهم له ورضاه عنهم وشعورهم بالأمن والطمأنينة والسعادة الأبدية.
{تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} أي إذا رأيتهم عرفت آثار النعمة والترف والسرور والدعة في وجوههم، التي تتلألأ بالنور والحسن والبياض،
والبهجة والرونق؛ لأن الله تعالى زاد في جمالهم وفي ألوانهم ما لا يصفه واصف، كما قال تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ، ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس 38/ 80 - 39].
{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ، خِتامُهُ مِسْكٌ، وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} أي يسقون من الخمر التي لا غش فيها ولا يشوبها شيء يفسدها، وقد ختم إناؤها بالمسك فلا يفكه إلا الأبرار، ويكون آخر طعمه ريح المسك، وفي ذلك فليرغب الراغبون، وليتسابق المتسابقون بالمبادرة إلى طاعة الله باتباع أوامره، واجتناب نواهيه. وهذا يعني أن التسابق أو التنافس يكون فيما يؤدي إلى النعيم، لا إلى الجحيم، كما قال تعالى:{لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ} [الصافات 61/ 37].
أخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما مؤمن سقى مؤمنا شربة ماء على ظمأ، سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مؤمن كسا مؤمنا ثوبا على عري، كساه الله من خضر الجنة» .
{وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ، عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} أي ومزاج ذلك الرحيق وهو ما يخلط به من تسنيم، وهو شراب ينصب عليهم من علوّ، وهو أشرف شراب الجنة. ويسقون الرحيق أو التسنيم من عين جارية من الأعلى إلى الأسفل يمزجون بها كؤوسهم، وهي التي يشرب منها الأبرار المقربون صرفا، وتمزج لأصحاب اليمين مزجا.
سئل ابن عباس عن قوله تعالى: {وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} فقال: هذا مما قال الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة 17/ 32].