الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِما كَسَبَتْ، لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر 17/ 40]، وقوله سبحانه:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس 34/ 80 - 37]. وجاء في الحديث الثابت الذي أخرجه الترمذي: «يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، لا أملك لكم من الله شيئا» .
ونظير الشطر الآخر قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} [غافر 16/ 40]، وقوله:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ.} . [الحج 56/ 22]، وقوله:{مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة 4/ 1].
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
أمر تعالى بأن نرتدع عن الاغترار بحلم الله وكرمه، وأن نتفكر في آيات الله.
2 -
إن منشأ عدم الخوف من الله والتجرؤ على الكفر والعصيان في الحقيقة والواقع هو التكذيب بالجزاء والحساب في يوم القيامة.
3 -
حال الناس مما يثير التعجب، فهم يكذبون بيوم الحساب والجزاء، وملائكة الله موكلون بهم، يكتبون أعمالهم، حتى يحاسبوا بها يوم القيامة.
ولا يختلف الحال بين المؤمنين والكفار، فعليهم جميعا الحفظة؛ لقوله تعالى:
{فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ..} . [الحاقة 19/ 69]، ثم قال:{وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ} [الحاقة 25/ 69]، وفي آية أخرى:{وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق 10/ 84]، فهذا خبر يدل أن الكفار يكون لهم كتاب، ويكون عليهم حفظة.
سئل سفيان الثوري: كيف تعلم الملائكة أن العبد قد همّ بحسنة أو سيئة؟ قال: إذا همّ العبد بحسنة، وجدوا منه ريح المسك، وإذا همّ بسيئة وجدوا منه ريح النّتن.
4 -
وصف الله تعالى الملائكة الحفظة بصفات أربع: هي كونهم حافظين، وكونهم كراما، وكونهم كاتبين، وكونهم يعلمون ما تفعلون. ووصف الله إياهم بهذه الصفات يدل على أنه تعالى أثنى عليهم وعظم شأنهم، وفي تعظيمهم تعظيم لأمر الجزاء، وأنه عند الله تعالى من جلائل الأمور، ولولا ذلك لما وكلوا بضبط ما يحاسب عليه كل إنسان. قال بعض العلماء: من لم يزجره من المعاصي مراقبة الله إياه، كيف يرده عنها كتابة الكرام الكاتبين.
5 -
أحوال العاملين ومصيرهم يوم القيامة: إن الأبرار يكونون في جنات النعيم، وإن الفجار يكونون في نيران الجحيم، يدخلونها ويقاسون لهابها وحرها يوم الجزاء والحساب، ويلازمونها إلى أبد الآبدين، فلا يغيبون عنها. وليس صاحب المعصية الكبيرة فاجرا، وإنما الكفار هم الفجرة لا غيرهم كما تقدم، وليس صاحب الكبيرة بفاجر على الإطلاق، لقوله تعالى:{أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس 42/ 80].
وفي هذا تهديد عظيم للعصاة، حكي أن سليمان بن عبد الملك مرّ بالمدينة، وهو يريد مكة، فقال لأبي حازم: كيف القدوم على الله غدا؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم من سفره على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه، قال: فبكى، ثم قال: ليت شعري ما لنا عند الله! فقال أبو حازم:
اعرض عملك على كتاب الله، قال: في أي مكان من كتاب الله؟ قال: {إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ} قال سليمان: فأين إذن هي رحمة الله؟ فأجابه بقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
(1)
[الأعراف 56/ 7].
(1)
تفسير الرازي: 85/ 31
6 -
في يوم القيامة والجزاء والحساب الرهيب لا يستطيع أحد مهما كان أن يقدم منفعة لآخر، والأمر كله حينئذ لله الواحد القهار، لا ينازعه فيه أحد.
وفي هذا وعيد عظيم وتهويل جسيم ليوم القيامة، ودليل على أنه لا يغني عن الناس إلا البر والطاعة يومئذ، دون سائر ما كان قد يغني عنهم في الدنيا من مال وولد وأعوان وشفعاء. قال الواسطي في قوله تعالى:{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} إشارة إلى فناء غير الله تعالى، وهناك تذهب الرسالات والكلمات والغايات فمن كانت صفته في الدنيا كذلك، كانت دنياه أخراه.
وقال الرازي في قوله تعالى: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ} : هو إشارة إلى أن البقاء والوجود لله، والأمر كذلك في الأزل وفي اليوم، وفي الآخرة، ولم يتغير من حال إلى حال، فالتفاوت عائد إلى أحوال الناظر، لا إلى أحوال المنظور إليه
(1)
.
(1)
تفسير الرازي: 86/ 31