الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} فرفع أبو بكر يده، وقال: يا رسول الله، إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر، فقال: يا أبا بكر، ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذرّ الشر، ويدخر الله لك مثاقيل ذرّ الخير، حتى توفّاه يوم القيامة».
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «لما نزلت: {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها} وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد، فبكى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: يبكيني هذه السورة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أنكم تخطئون وتذنبون، فيغفر الله لكم، لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون، فيغفر لهم» .
حسنات الكافر: قال ابن عباس: ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيرا أو شرا إلا أراه الله تعالى إياه، فأما المؤمن فيغفر له سيئاته، ويثاب بحسناته. وأما الكافر فترد حسناته ويعذب بسيئاته.
وعلى هذا يعاقب الكافر بسبب كفره، وأما حسناته فتنفعه في الدنيا، كدفع شر أو ضرر عنه، وأما في الآخرة فلا تفيده، ولا تنجيه من عذاب الكفر الذي يخلد به في النار، قال تعالى:{وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ، فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} [الفرقان 23/ 25].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
من أمارات الساعة: الزلزلة الشديدة للأرض، وإخراج الأرض أثقالها، أي ما في جوفها من الدفائن والأموات. قالوا: إنها عند النفخة الأولى تتزلزل، فتلفظ بالكنوز والدفائن، وعند النفخة الثانية ترجف فتخرج الأموات أحياء، كالأم تلد حيا.
2 -
لا شك بأن الإنسان في وقت الزلازل والبراكين يرتجف ويخاف
ويتساءل: ما للأرض زلزلت، ما لها أخرجت أثقالها؟ وهي كلمة تعجيب.
3 -
إذا زلزلت الأرض تخبر يومئذ بما عمل عليها من خير أو شر، ومعنى تحديث الأرض عند أبي مسلم الأصفهاني: يومئذ يتبين لكل أحد جزاء عمله، فكأنها حدثت بذلك، كقولك: الدار تحدثنا بأنها كانت مسكونة، فكذا انتقاض الأرض بسبب الزلزلة تحدث أن الدنيا قد انقضت، وأن الآخرة قد أقبلت.
وقال الطبري: تبين أخبارها بالرّجة والزلزلة وإخراج الموتى.
وقال الجمهور: المعنى أن الله تعالى يجعل الأرض حيوانا عاقلا ناطقا ويعرفها جميع ما عمل أهلها، فحينئذ تشهد لمن أطاع، وعلى من عصى،
قال صلى الله عليه وسلم في حديث الترمذي عن أبي هريرة: «إن الأرض لتخبر يوم القيامة بكل عمل عمل عليها» ثم تلا هذه الآية
(1)
.
4 -
الذي تخبر به الأرض: إما أعمال العباد على ظهرها، كما
جاء في حديث الترمذي عن أبي هريرة المتقدم: «أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا، وكذا، قال: فهذه أخبارها» .
أو أنها تخبر بما أخرجت من أثقالها، كما
جاء في حديث ابن ماجه عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كان أجل العبد بأرض أو ثبته الحاجة إليها، حتى إذا بلغ أقصى أثره، قبضه الله، فتقول الأرض يوم القيامة: ربّ هذا ما استودعتني» .
أو أنها تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان: ما لها؟ وهذا قول ابن مسعود، فتخبر أن أمر الدنيا قد انقضى، وأمر الآخرة قد أتى، فيكون ذلك منها جوابا لهم عند سؤالهم، ووعيدا للكافر، وإنذارا للمؤمن
(2)
.
(1)
تفسير الرازي: 59/ 32، تفسير القرطبي: 149/ 20، غرائب القرآن: 157/ 30
(2)
تفسير القرطبي: 148/ 20 - 149
5 -
في يوم الزلزلة يذهب الناس من مخارج قبورهم إلى الموقف، بعضهم إثر بعض، أو يرجعون وينصرفون من موقف الحساب إلى موضع الثواب والعقاب فرقا فرقا، ليروا صحائف أعمالهم، أو جزاء أعمالهم وهو الجنة أو النار، وما يناسب كلاّ منهما.
ويؤيد هذا
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يوم القيامة إلا ويلوم نفسه، فإن كان محسنا فيقول: لم لا ازددت إحسانا؟ وإن كان غير ذلك يقول: لم لا نزعت عن المعاصي
(1)
؟ وهذا عند معاينة الثواب والعقاب.
6 -
كل من يعمل في الدنيا عملا خيرا صغيرا أو كبيرا، يره بعينه أو يره الله إياه يوم القيامة، وكل من يعمل في الدنيا عملا شرا مهما كان قليلا، يره بنفسه أو يره الله إياه يوم القيامة. أو أن المراد: يجد جزاءه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
أما الكافر كما تقدم فحسناته في الآخرة محبطة بكفره وترد في وجهه، ويجد عقاب ما فعل من كفر أو شر، فيعذب بسيئاته، أي أن عموم الآية قائم، ولكن لا تقبل حسنات الكفار.
قال ابن مسعود عن آية: {فَمَنْ يَعْمَلْ.} .: هذه أحكم آية في القرآن.
وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية. قال كعب الأحبار: لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزّبور والصّحف: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وكان النبي صلى الله عليه وسلم-كما تقدم- يسمي هذه الآية الجامعة الفاذّة.
(1)
تفسير القرطبي: 150/ 20