الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الْجِنَّةِ.. وَالنّاسِ} بينهما طباق.
{يُوَسْوِسُ} و {الْوَسْواسِ} بينهما جناس اشتقاق.
ويلاحظ أن الفواصل منتهية بالسين الذي فيه جرس خافت ومهيب وله وقع في النفوس.
المفردات اللغوية:
{أَعُوذُ} ألتجئ وأحتمي. {بِرَبِّ النّاسِ} مربّيهم ومعتني بشؤونهم، قال البيضاوي: لما كانت الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضارّ البدنية، وهي تعمّ الإنسان وغيره، والاستعاذة في هذه السورة من المضارّ التي تعرض للنفوس البشرية، وتخصها، عمم الإضافة ثمة، وخصصها بالناس هاهنا، فكأنه قيل: أعوذ من شرّ الموسوس إلى الناس بربّهم الذي يملك أمورهم، ويستحق عبادتهم.
{مَلِكِ النّاسِ، إِلهِ النّاسِ} صفتان تدلان على أنه تعالى حقيق بالإعاذة، قادر عليها، غير ممنوع عنها. {الْوَسْواسِ} الموسوس الذي يلقي في النفوس خواطر الشرّ والسوء. ويصح أن يراد به المصدر أي الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة. {الْخَنّاسِ} صيغة مبالغة، أي من عادته أن يخنس، أي يتأخر بذكر الله، والخنوس: الرجوع والتأخر. {مِنَ الْجِنَّةِ} بيان للوسواس، جمع جني كإنسي وإنس، والجن: خلق مستتر لا يعلم به أحد إلا الله تعالى.
التفسير والبيان:
{قُلْ: أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ، مَلِكِ النّاسِ، إِلهِ النّاسِ} أي قل أيها الرسول: ألجأ وأستعين بالله مربي الناس ومتعهدهم بعنايته ورعايته، وخالقهم ومدبر أمرهم ومصلح أحوالهم، وله الملك التام والسلطان القاهر، وهو الإله المعبود الذي يعبده الناس، واسم الإله خاص بالله لا يشاركه فيه أحد، أما الملك فقد يكون إلها وقد لا يكون.
وهذه صفات ثلاث لله عز وجل: الربوبية، والملك، والألوهية، فهو ربّ كل شيء، ومليكه، وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة، عبيد له. وإنما قدم الربوبية لمناسبتها للاستعاذة، فهي تتضمن نعمة الصون والحماية والرعاية، ثم ذكر الملكية؛ لأن المستعيذ لا يجد عونا له ولا غوثا إلا مالكه، ثم ذكر الألوهية؛ لبيان أنه المستحق للشكر والعبادة دون سواه.
والسبب في تكرار لفظ {النّاسِ} هو مزيد البيان والإظهار، والتنويه بشرف الناس مخلوقات الله تعالى، وقال:«ربّ الناس» مع أنه ربّ جميع المخلوقات، فخصّ الناس بالذّكر للتشريف، ولأن الاستعاذة لأجلهم.
{مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنّاسِ} أي ألجأ إلى الله وأحتمي من شرّ الشيطان ذي الوسوسة، الكثير الخنوس أي الاختفاء والتأخر، بذكر الله، فإذا ذكر الإنسان الله تعالى خنس الشيطان وانقبض، وإذا لم يذكر الله انبسط على القلب. قال ابن عباس في هذه الآية: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس.
وقد سلط الله الشيطان على الناس إلا من عصمه الله، للمجاهدة والفتنة والاختبار،
ثبت في الصحيح أنه «ما منكم من أحد إلا وكّل به قرينه، قالوا:
وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير».
وثبت في الصحيحين عن أنس في قصة زيارة صفية للنّبي صلى الله عليه وسلم، وهو معتكف، وخروجه معها ليلا، ليردها إلى منزلها، فلقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النّبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«على رسلكما، إنها صفية بنت حييّ، فقالا: سبحان الله، يا رسول الله، فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا -أو قال: شرّا» .
وروى الحافظ أبو يعلي الموصلي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخنّاس» .
وروي الإمام أحمد عن أبي تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عثر بالنّبي صلى الله عليه وسلم حماره، فقلت: تعس الشيطان، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا