الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُراؤُنَ النّاسَ} [النساء 142/ 4]. ويجوز أن يطلق لفظ «المصلين» على تاركي الصلاة، بناء على أنهم من جملة المكلفين بالصلاة.
{الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ} أي إن أولئك الساهين عن صلاتهم هم الذين يراءون الناس بصلاتهم إن صلوا، أو يراءون الناس بكل ما عملوا من أعمال البر، ليثنوا عليهم. قال الزمخشري: المراءاة: هي مفاعلة من الإراءة؛ لأن المرائي يري الناس عمله، وهم يرونه الثناء عليه، والإعجاب به.
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمّع الناس بعمله، سمّع الله به سامع خلقه، وحقّره، وصغّره» .
{وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ} أي يمنعون العارية وفعل الخير، و {الْماعُونَ} اسم لكل ما يتعاوره الناس بينهم، من الدّلو والفأس والقدّوم والقدر ومتاع البيت، وما لا يمنع عادة، كالماء والملح، مما ينسب مانعة إلى الخسة ولؤم الطبع وسوء الخلق.
فهؤلاء المنافقون لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به، مع بقاء عينه، ورجوعه إليهم، وهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى.
روى النسائي وغيره عن عبد الله بن مسعود قال: كل معروف صدقة، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدّلو والقدر.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
1 -
ذم المكذب بالجزاء والحساب في الآخرة، واللفظ عام لا يقتصر على من كان سبب نزول الآية.
2 -
من صفات المكذب بالجزاء الأخروي وقبائحه: زجر اليتيم وطرده ودفعه عن حقه وظلمه وقهره، وترك الخير وعدم الحث أو عدم الأمر على إطعام الفقير والمسكين، من أجل بخله وتكذيبه بالجزاء. وليس الذم عاما، حتى يتناول من تركه عجزا، ولكنهم كانوا يبخلون مع الغنى، ويعتذرون لأنفسهم.
3 -
الويل، أي العذاب والتهديد العظيم لمن فعل ثلاثة أمور: أحدها- السهو عن الصلاة، وثانيها-فعل المراءاة، وثالثها-منع الماعون.
وقد جمع المنافقون الأوصاف الثلاثة: ترك الصلاة، والرياء، والبخل بالمال.
والسهو عن الصلاة: تركها رأسا، أو فعلها مع قلة المبالاة بها كما تقدم.
أما السهو في الصلاة فهو أمر غير اختياري، فلا يدخل تحت التكليف.
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سها في الصلاة، وشرع سجود السهو لمن سها. وكذلك سها الصحابة.
وحقيقة الرياء: طلب ما في الدنيا بالعبادة، وطلب المنزلة في قلوب الناس، وللرياء أنواع، وأولها: تحسين السّمت (الهيئة) مع إرادة الجاه وثناء الناس. وثانيها: لبس الثياب القصار أو الخشنة، ليأخذ بذلك هيبة الزهد في الدنيا. وثالثها: الرياء بالقول بإظهار السخط على أهل الدنيا، وإظهار الوعظ والتأسف على ما يفوته من فعل الخير والطاعة.
ورابعها: إظهار الصلاة والصدقة، أو تحسين الصلاة لأجل رؤية الناس له
(1)
.
(1)
أحكام القرآن لابن العربي: 1972/ 4، تفسير القرطبي: 212/ 20 - 213
والفرق بين المنافق والمرائي: أن المنافق هو المظهر للإيمان المبطن للكفر، والمرائي: المظهر ما ليس في قلبه من زيادة خشوع ليعتقد فيه من يراه أنه متدين
(1)
.
وقال العلماء: لا بأس بالإراءة إذا كان الغرض الاقتداء، أو نفي التهمة.
واجتناب الرياء صعب إلا على من راض نفسه، وحملها على الإخلاص. ومن هنا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء، في الليلة المظلمة، على المسح الأسود»
(2)
أي البلاس المصنوع من الشعر.
والماعون عند أكثر المفسرين: اسم جامع لما لا يمنع في العادة، ويسأله الفقير والغني في أغلب الأحوال، ولا ينسب سائله إلى لؤم، بل ينسب مانعة إلى اللؤم والبخل، كالفأس والقدر والدّلو والمقدحة والغربال والقدوم، ويدخل فيه الماء والملح والنار، لما روى ابن ماجه عن أبي هريرة:«ثلاثة لا يمنعن: الماء والنار والملح» . ومن ذلك أن يلتمس جارك الخبز من تنورك، أو أن يضع متاعه عندك يوما أو نصف يوم
(3)
. وقيل: منع الماعون: منع زكاة أموالهم.
وبالرغم من أن هذه الأوصاف واضحة في المنافقين، فإن بعضها قد يوجد في المسلم الصادق الإسلام، وحينئذ يلحقه جزء من التوبيخ، كالصلاة إذا تركها، ومنع الماعون إذا تعين، ويكون منعا قبيحا مخلاّ بالمروءة في غير حال الضرورة.
4 -
في الآيتين حول السهو عن الصلاة ومنع الماعون إشارة إلى أن الصلاة لله عز وجل، والماعون للخلق أو للناس، فمن ترك الصلاة لم يراع جانب تعظيم أمر الله، ومن منع الماعون لم يراع جانب الشفقة على خلق الله، وهذا كمال الشقاوة، نعوذ بالله منها.
(1)
تفسير الرازي: 115/ 32
(2)
تفسير الكشاف: 362/ 3
(3)
غرائب القرآن: 191/ 30
والخلاصة: وصف الله الكفار والمنافقين في هذه السورة بأربع صفات:
البخل، وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة والخير.