الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي تشهده الناس والملائكة. {قُتِلَ} لعن وهو جواب القسم بتقدير: لقد. {أَصْحابُ الْأُخْدُودِ} الشق المستطيل المحفور في الأرض، وجمعه أخاديد، وأصحاب الأخدود: قوم جبارون أحرقوا جماعة من المؤمنين في أخدود في نجران اليمن، بعد أن أوقدوا فيه نارا عظيمة، ثم ألقوهم فيها. {النّارِ ذاتِ الْوَقُودِ} أي الأخدود المشتمل على النار ذات الوقود أي ما توقد به، وهو وصف لها بالعظمة وكثرة ما يرتفع به لهبها.
{إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ} قاعدون على حافة النار. {وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} أي وهم حضور على تعذيب المؤمنين بالله، بالإلقاء في النار، إن لم يرجعوا عن إيمانهم، ويشهدون على ما يفعلون يوم القيامة حين تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم. {وَما نَقَمُوا} أنكروا وعابوا.
{الْعَزِيزِ} الغالب الذي يخشى عقابه ولا يغلب. {الْحَمِيدِ} المحمود على نعمه وعلى كل حال، والذي يرجى ثوابه. {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} شاهد عالم، وهو للإشعار بما يستحق أن يؤمن به ويعبد.
التفسير والبيان:
{وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ} أي أقسم بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام، وأشهر الأقوال أنها منازل الكواكب، وهي اثنا عشر برجا لاثني عشر كوكبا.
وهي التي تقطعها الشمس في سنة، والقمر في ثمانية وعشرين يوما. أقسم الله بها تنويها بها وتعظيما وتشريفا لها، حيث نيط بها تغيرات في الأرض بحلول الكواكب فيها، فينشأ عنها الفصول الأربعة، وما فيها من حرارة وبرودة، وينشأ عنها عدد السنين والحساب.
وجاء ذكر البروج في آيتين أخريين هما: {وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنّاها لِلنّاظِرِينَ} [الحجر 16/ 15]، وقال تعالى:{تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً، وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً} [الفرقان 61/ 25].
{وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} أي وأقسم بيوم القيامة الموعود به، وبمن يشهد في ذلك اليوم، ومن يشهد عليه. وهذا إن كان ذلك مأخوذا من الشهادة. فإن كان مأخوذا من الحضور بمعنى أن الشاهد هو الحاضر، كقوله:
{عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ} [الزمر 46/ 39]، فالشاهد: الخلائق الحاضرون للحساب، والمشهود عليه: اليوم، كما قال تعالى:{ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود 103/ 11] فالله يقسم بالخلائق والعوالم الشاهد منها والمشهود، لما في التأمل بها من تقدير عظمة تدل على الموجد.
والخلاصة: أن الشاهد والمشهود إما من الشهود: الحضور، وإما من الشهادة، والصلة محذوفة، أي مشهود عليه أو به.
{قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. النّارِ ذاتِ الْوَقُودِ} هذا جواب القسم، وهو إخبار أو دعاء على هؤلاء الكفار بالإبعاد من رحمة الله تعالى، أي لعن أصحاب الأخدود المشتمل على النار ذات الحطب الذي توقد به. وهم قوم من الكفار في نجران اليمن طلبوا من المؤمنين بالله عز وجل أن يرجعوا عن دينهم، فأبوا عليهم، فحفروا لهم في الأرض أخدودا (شقا مستطيلا) وأجّجوا فيه نارا، وأعدّوا لها وقودا يسعرونها به، ثم أرادوهم أن يرجعوا عن دينهم، فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها. وقد أشار سبحانه إلى عظم النار إشارة مجملة بقوله:
{ذاتِ الْوَقُودِ} أي لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس.
{إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ، وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} أي لعنوا حين أحدقوا بالنار، قاعدين على الكراسي عند الأخدود، وهؤلاء الذين حفروا الأخدود، وهم الملك وأصحابه، مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين، من عرضهم على النار ليرجعوا إلى دينهم، ويشهدون بما فعلوا يوم القيامة، حيث تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم.
وهذا أي حضورهم الإحراق دليل على أنهم قوم غلاظ الأكباد قساة القلوب، تمكّن الكفر والباطل منهم، وتجرّدوا عن الإنسانية، وفقدوا الرحمة، ودليل أيضا