الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القصواء، أي حرنت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل». ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يسألوني اليوم خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم إليها، ثم زجرها، فقامت».
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فيبلّغ الشاهد الغائب» .
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
هذا الخطاب، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه عام، أي ألم تروا ما فعلت بأصحاب الفيل؟ أي قد رأيتم ذلك، وعرفتم موضع منتي عليكم، فما لكم لا تؤمنون؟! 2 - دلت الواقعة على قدرة الله الصانع وعلمه وحكمته، وعلى شرف محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يجوز تقديم المعجزات على زمان البعثة، تأسيسا لنبوتهم، وإرهاصا لها، ولذلك قالوا: كانت الغمامة تظله
(1)
. قال أبو حيان: كان صرف ذلك العدوّ العظيم عام مولده السعيد صلى الله عليه وسلم إرهاصا بنبوته؛ إذ مجيء تلك الطيور على الوصف المنقول من خوارق العادات، والمعجزات المتقدمة بين أيدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد ظلل (أحبط) كيدهم، وأهلكهم بأضعف جنوده، وهي الطير التي ليست من عادتها أنها تقتل
(2)
.
3 -
دلت القصة أيضا على تكريم الله للكعبة، وإنعامه على قريش بدفع
(1)
تفسير الرازي: 97/ 32
(2)
البحر المحيط: 512/ 8
العدو عنهم، فكان يجب عليهم المبادرة إلى الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وعبادة الله، وشكره على نعمائه.
4 -
كان إرسال الطير عليهم إرهاصا للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما بعد تقرير نبوته فلم يكن هناك حاجة إلى الإرهاص، لذا لم يعذب الحجّاج بتخريب البيت، ولأنه لم يكن قاصدا التخريب، وإنما أراد شيئا آخر، وهو قتل ابن الزبير.
5 -
شبه تدميرهم وإهلاكهم وصيرورتهم بعد قصف الطير بالحجارة بصورة قبيحة حقيرة، تدل على حقارة كفرهم، وصغار نفوسهم، وهوانهم على الله، وتلك الصورة ورق يابس أو تبن تعصف به الريح، أكلته الدواب وراثته، أي كفضلات البهائم، وذلك يدل أيضا على فنائهم التام؛ لأنه أراد تشبيه تقطيع أوصالهم بتفريق أجزاء الروث.
إلا أن هذا التشبيه جاء على منهج القرآن في أدبه الرفيع، مثل قوله تعالى في تشبيه عيسى وأمه:{كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ} [المائدة 75/ 5].
وإنما سلط الله العذاب على أصحاب الفيل، ولم يسلطه على كفار قريش الذين ملؤوا الكعبة أوثانا؛ لأن أصحاب الفيل قصدوا التخريب، وهذا تعد على حق العباد، ووضع الأوثان فيها قصدوا به التقرب إلى الله، وهو مع ذلك تعدّ على حق الله تعالى، وحق العباد مقدّم على حق الله تعالى.
6 -
قال ابن مسعود: لما رمت الطير بالحجارة، بعث الله ريحا، فضربت الحجارة فزادتها شدّة، فكانت لا تقع على أحد إلا هلك، ولم يسلم منهم إلا رجل من كندة، فقال:
فإنك لو رأيت ولم تريه
…
لدى جنب المغمّس ما لقينا
خشيت الله إذ قد بث طيرا
…
وظلّ سحابة مرّت علينا
وباتت كلّها تدعو بحق
…
كأن لها على الحبشان دينا
ويروى أنها لم تصبهم كلهم، لكنها أصابت من شاء الله منهم. وقد تقدم في القصة التاريخية أن أميرهم أبرهة رجع وشرذمة قليلة معه، فلما أخبروا بما رأوا هلكوا. وذلك للعبرة والعظة.
7 -
قال ابن إسحاق: لما ردّ الله الحبشة عن مكة، عظّمت العرب قريشا وقالوا: أهل الله، قاتل عنهم، وكفاهم مؤونة عدوهم؛ فكان ذلك نعمة من الله عليهم.