الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب النزول:
نزول الآية (27):
{يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ.} .: أخرج ابن أبي حاتم عن بريدة في قوله:
{يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} قال: نزلت في حمزة.
وأخرج أيضا عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يشتري بئر رومة، يستعذب بها، غفر الله له، فاشتراها عثمان، فقال: هل لك أن تجعلها سقاية للناس؟ قال: نعم، فأنزل الله في عثمان:{يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ..} ..
المناسبة:
بعد أن أنكر الله على الناس تصورهم عن الغنى والفقر، وأفعالهم المنكرة، بالحرص على الدنيا، وإيثارها على الآخرة، وترك المواساة منها، وجمعها دون تفرقة بين حلال أو حرام، ردعهم عن ذلك، وأخبر عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة، وأبان أنهم يندمون حين لا ينفع الندم:{يَقُولُ: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي} فإن الآخرة دار جزاء لا دار عمل، ثم ذكر تحسر المقصر في طاعة الله يوم القيامة:{يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ، وَأَنّى لَهُ الذِّكْرى} .
وبعد بيان حال هذا الإنسان الحريص على الدنيا، ذكر الله تعالى حال المؤمن المخلص المترفع عنها، المتسامي بطبعه إلى مراتب الكمال، فيكون جزاؤه دخول الجنان في زمرة الصالحين المقربين من عباد الله تعالى.
التفسير والبيان:
{كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} أي زجرا وردعا لأقوالكم وأفعالكم هذه، ولا ينبغي أن يكون هكذا عملكم في الحرص على الدنيا، وترك المواساة
منها، وجمع الأموال فيها من حيث تتهيأ، دون تفرقة بين حلال وحرام، وتوهم ألا حساب ولا جزاء.
وسيأتي يوم القيامة وما يقع فيه من الأهوال الرهيبة، وتظهر فيه أوصاف ثلاثة، فتدكّ الأرض دكّا بعد دكّ، أي تكسر وتدق، وتتزلزل وتتحرك تحركا بعد تحريك، وتهدّ جبالها حتى تستوي مع سطح الأرض، فتسوّى الأرض والجبال، ويقوم الناس من قبورهم. وقوله:{دَكًّا دَكًّا} يدل على تكرار الدكّ حتى صارت الجبال هباء منبثا.
{وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} أي وجاء الله سبحانه وتعالى لفصل القضاء بين عباده، وتصدر أوامره وأحكامه بالجزاء والحساب، وتظهر آيات قدرته وآثار قهره، ويقف الملائكة مصطفين صفوفا للحراسة والحفظ والهيبة.
وهذه هي الصفة الثانية من صفات ذلك اليوم.
{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} أي وكشفت للناظرين بعد غيبتها وتحجبها عنهم، كما قال تعالى:{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ} [الشعراء 91/ 26]، وقال أيضا:{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى} [النازعات 36/ 79]. وهذه هي الصفة الثالثة من صفات ذلك اليوم.
{يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ، وَأَنّى لَهُ الذِّكْرى، يَقُولُ: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي} أي في ذلك اليوم يندم الإنسان على ما قدّم في الدنيا من الكفر والمعاصي، وعلى ما عمل من أعمال السوء، وكيف تنفعه الذكرى؟ أي لا تنفعه، فقد فات الأوان، وإنما كانت تنفعه الذكرى لو تذكر الحق قبل حضور الموت.
ويقول مبينا تذكره: يا ليتني قدمت الخير والعمل الصالح لحياتي الأخروية الدائمة الباقية، فهي الحياة الأخيرة لأهل النار ولأهل الجنة جميعا. ويصح جعل اللام بمعنى الوقت، أي وقت حياتي في الدنيا.
قال الرازي: فيه دليل على أن قبول التوبة على الله لا يجب عقلا. والواقع أن الآية ليست في هذا الجانب، لأنه لا يلزم من عدم قبول التوبة في الآخرة عدم قبولها في دار التكليف في الدنيا، كإيمان اليأس.
{فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ} هذا جواب الشرط السابق في {إِذا دُكَّتِ.} . أي فيومئذ لا يتولى أحد تعذيب العصاة وحسابهم وجزاءهم ووثاقهم، ولا يعذب أحد مثل عذاب الله، ولا يوثق أحد الكافر بالسلاسل والأغلال كوثاق الله.
وفي هذا ترغيب بالعمل الصالح والإيمان، وترهيب من الكفر والعصيان.
ثم ذكر حال الإنسان المترفع عن أطماعه وملذاته وشهواته في الدنيا وبشارة الأبرار، فقال:{يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} أي يقول الله للمؤمن، بذاته أو على لسان ملك: يا أيتها النفس الموقنة بالإيمان والحق وتوحيد الله، التي لا يخالجها شك في صدق عقيدتها، وقد رضيت بقضاء الله وقدره، ووقفت عند حدود الشرع، فتجيء يوم القيامة مطمئنة بذكر الله، ثابتة لا تتزعزع، آمنة مؤمنة غير خائفة، ارجعي إلى ثواب ربك الذي أعطاك. وإلى محل كرامته الذي منحك إياه، راضية بهذا الثواب عما عملت في الدنيا، وبما حكم الله، ومرضية عند الله، كما قال تعالى:{رضي الله عنهم، وَرَضُوا عَنْهُ} [البيّنة 8/ 98] وهذه هي صفة أرباب النفوس الكاملة.
فادخلي في زمرة عبادي الصالحين، وكوني في جملتهم، وادخلي معهم جنتي، فتلك هي الكرامة لا كرامة سواها، جعلنا الله من أهلها، والظاهر العموم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي نزلت به الآية.