الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الفراء والزجاج: العسر مذكور بالألف واللام، وليس هناك معهود سابق، فينصرف إلى الحقيقة، فيكون المراد بالعسر في اللفظين شيئا واحدا. وأما اليسر فإنه مذكور على سبيل التنكير، فكان أحدهما غير الآخر.
يؤيد ذلك
ما رواه الحاكم عن ابن مسعود مرفوعا: «لو كان العسر في حجر، لتبعه اليسر حتى يدخل فيه، فيخرجه، ولن يغلب عسر يسرين، إن الله يقول: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}» .
ثم أمره ربه بمهام تتناسب مع مقامه ومع شكر هذه النعم السابقة واللاحقة من اليسر والظفر، فقال:
{فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} أي إذا فرغت من تبليغ الدعوة، أو من الجهاد، أو مشاغل الدنيا وعلاقاتها، فأتعب نفسك في العبادة، واجتهد في الدعاء، واطلب من الله حاجتك، وأخلص لربّك النيّة والرغبة. وهذا دليل على طلب الاستمرار في العمل الصالح والخير والمثابرة على الطاعة؛ لأن استغلال الوقت مطلوب شرعا، وإن الله يكره العبد البطال.
{وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ} أي أقبل على الله، واجعل رغبتك إلى الله وحده، وتضرع إليه راهبا من النار، راغبا في الجنة، ولا تطلب ثواب عملك إلا من الله، فإنه الجدير بالتوجه والتضرع إليه، وبالتوكل عليه.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
هذه باقة أخرى من نعم الله على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، بالإضافة لما ذكر في سورة الضحى السابقة، وهي:
أولا-شرح الصدر، أي جعله فسيحا رحيبا، قويا عظيما لتحمل أعباء النبوة والرسالة.
وثانيا-حطّ الذنوب والمعاصي التي تعد ثقيلة وكبيرة بالنسبة لقدره ومنزلته، وإلا فهي ليست ذنوبا على الحقيقة؛ لأن الأنبياء معصومون منها، ولم يسجد لصنم أو وثن قط، ولم يصدر عنه كفر أصلا قبل النبوة. وهذا يستدعي كمال عقله وروحه، وتبرئته من الوزر الذي ينشأ عن النفس والهوى، وهو معصوم منهما.
وثالثا-رفع ذكره وإعلاء شأنه ومقامه في الدنيا والآخرة وتنزيه مقامه عن كل وصم، قال ابن عباس: يقول له: لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان، والإقامة، والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عرفة، وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطب النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها.
ولو أن رجلا عبد الله جلّ ثناؤه، وصدّق بالجنة والنار وكل شيء، ولم يشهد أن محمدا رسول الله، لم ينتفع بشيء، وكان كافرا
(1)
.
2 -
جعل الله تيسيرا ورحمة على العباد يسرين مع كل عسر، قال قوم: إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرّفا، ثم كرروه، فهو هو، وإذا نكّروه فهو غيره، وهما اثنان، ليكون أقوى للأمل، وأبعث على الصبر.
3 -
الحثّ على المواظبة على العمل الصالح واستدامته، وعلى عمل الخير والإقبال على فعله، فعلى العاقل ألا يضيع أوقاته في الكسل والدعة، ويحرص بكل قواه على تحصيل ما ينفعه في الدارين.
(1)
تفسير القرطبي: 106/ 20 - 107
4 -
التوكل على الله وحده، والرغبة إليه والتضرع لوجهه الكريم، فإنه أهل التوجه والضراعة، ولا يطلب ثواب العمل الصالح إلا منه سبحانه.
قال ابن العربي: روي عن شريح أنه مرّ بقوم يلعبون يوم عيد، فقال:
ما بهذا أمر الشارع. وفيه نظر؛ فإن الحبش كانوا يلعبون بالدّرق والحراب في المسجد يوم العيد، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر. ودخل أبو بكر بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وعندها جاريتان من جواري الأنصار تغنّيان، فقال أبو بكر: أمزمارة الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: دعهما يا أبا بكر، فإنه يوم عيد.
وليس يلزم الدّؤوب على العمل، بل هو مكروه للخلق
(1)
.
(1)
أحكام القرآن: 1938/ 4