الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{الْقارِعَةُ، مَا الْقارِعَةُ، وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ} ؟ {الْقارِعَةُ} من أسماء القيامة؛ لأنها تقرع القلوب بالفزع، وأي شيء هي، وما أعلمك ما شأن القارعة؟ وقوله:{مَا الْقارِعَةُ} لتعظيم شأنها وتفخيمه، وقوله:
{وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ} تأكيد لشدة هولها، وتعظيم أمرها، وتهويل شأنها.
ثم فسر ذلك وأبان زمانها وأماراتها، فقال:
1 -
{يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ} أي يوم يخرج الناس من القبور، يسيرون على غير هدى في كل اتجاه، شأنهم في ذلك، كالحشرة الطائرة المعروفة المنتشرة المتفرقة. أو كجميع الحشرات الطائرة، كالبعوض والجراد، فهم في انتشارهم وتفرقهم وذهابهم ومجيئهم بسبب حيرتهم مما هم فيه، كأنهم فراش مبثوث، أي متفرق منتشر، كما قال تعالى:{كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر 7/ 54]. قال الزمخشري: شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب، كما يتطاير الفراش إلى النار.
2 -
{وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} أي وتصير الجبال كالصوف ذي الألوان المختلفة، المندوف الذي نقش بالندف؛ لأنها تتفتت وتتطاير، كما في قوله تعالى:{وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ} [التكوير 3/ 81] وقوله سبحانه: {وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً} [المزمّل 14/ 73].
وفي ذكر هاتين الأمارتين تخويف للناس وتحذير شديد.
ثم ذكر الجزاء على الأعمال وأحوال الناس وتفرقهم فريقين إجمالا، فقال:
{فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} أي أما من ثقلت موازينه بأن رجحت حسناته أو أعماله الصالحة على سيئاته، فهو في عيشة مرضية
يرضاها صاحبها في الجنة. والعيشة: كلمة تجمع النعم التي في الجنة.
{وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ، فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ، وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ، نارٌ حامِيَةٌ} أي وأما من رجحت سيئاته على حسناته، أو لم تكن له حسنات يعتد بها، فمسكنه أو مأواه جهنم. وسماها أمه؛ لأنه يأوي إليها كما يأوي الطفل إلى أمه، وسميت جهنم هاوية وهي الهالكة؛ لأنه يهوي فيها مع عمق قعرها، ولأنها نار عتيقة.
ونحن نؤمن بالميزان كما ورد في القرآن، دون أن ندري كيفية وزنه وتقديره.
وما أعلمك ما هذه النار؟ والاستفهام للتهويل والتخويف، ببيان أنها خارجة عن المعهود، بحيث لا يدرى كنهها. قال الزمخشري: هيه ضمير الداهية التي دل عليها قوله: {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} أو ضمير هاوية، والهاء للسكت، وإذا وصل القارئ حذفها.
هي نار شديدة الحرارة، انتهى حرها وبلغ في الشدة إلى الغاية، فهي حارة شديدة الحرارة، قوية اللهب والسعير. وهذا دليل على قوتها التي تفوق جميع النيران.
أخرج مالك والبخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله، إن كانت لكافية؟ فقال: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا» .
وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم» .
وأخرج أحمد أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أهون أهل النار عذابا: من له نعلان، يغلي منهما دماغه» .