الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَأَمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى، وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى} أي وأما من بخل بماله، فلم يبذله في سبل الخير، واستغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة، وزهد في الأجر والثواب وفضل الله، وكذّب بالجزاء في الدار الآخرة، فسنهيئه للخصلة العسرى والطريقة الصعبة التي لا تنتج إلا شرا، حتى تتعسر عليه أسباب الخير والصلاح، ويضعف عن فعلها، حتى يصل إلى النار، ولا يغني عنه شيئا ماله الذي بخل به، إذا سقط في جهنم.
ويلاحظ أن التيسير والبشارة في الأصل على الشيء المفرح والسّاتر، لكن إذا جمع في الكلام بين خير وشر، جاء التيسير والبشارة فيهما جميعا.
أخرج البخاري ومسلّم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة، فقال:«ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له» ثم قرأ: {فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، وَأَمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى} . وهناك أحاديث كثيرة في هذا المعنى
(1)
.
فقه الحياة أو الأحكام:
أقسم الله عز وجل بالليل حينما يغطّي كل شيء بظلامه، وبالنهار إذا انكشف ووضح وظهر، وبالذي خلق الذكر والأنثى؛ فيكون قد أقسم بنفسه عز وجل، على أن عمل الناس مختلف في الجزاء، فبعضهم مؤمن وبر، وكافر وفاجر، ومطيع وعاص، وبعضهم في هدى أو في ضلال، وبعضهم ساع في فكاك نفسه من النار، وبعضهم بائع نفسه فموبقها في المعاصي، كما
ذكر الثعلبي من قوله صلى الله عليه وسلم: «الناس غاديان: فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها» .
(1)
انظر تفسير ابن كثير: 518/ 4 - 519
ثم أوضح سبحانه معنى اختلاف الأعمال المذكور من العاقبة المحمودة والمذمومة، والثواب والعقاب، وذكر فريقين:
الأول-من بذل ماله في سبيل الله، وأعطى حق الله عليه، واتقى المحارم والمنكرات، وصدّق بوعد الله بالعوض على عطائه، فالله يهيئ له الطريق اليسرى السهلة للوصول إلى غايته، ويرشده لأسباب الخير والصلاح، حتى يسهل عليه فعلها.
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
والثاني-من ضنّ بما عنده، فلم يبذل خيرا، وكذلك بتعويض الله، فالله يسهل طريقه للشر، ويعسّر عليه أسباب الخير والصلاح، حتى يصعب عليه فعلها.
قال العلماء: ثبت بهذه الآية: {وَأَمّا مَنْ بَخِلَ.} . وبقوله تعالى:
{وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة 3/ 2] وقوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً} [البقرة 274/ 2] إلى غير ذلك من الآيات أن الجود من مكارم الأخلاق، والبخل من أرذلها، والجواد: هو الذي يعطي في موضع العطاء، والبخيل: هو الذي يمنع في موضع العطاء، فكل من استفاد بما يعطي أجرا وحمدا، فهو الجواد، وكل من استحق ذما أو عقابا، فهو البخيل، والمسرف المذموم، وهو من المبذّرين الذين جعلهم الله إخوان الشياطين، وأوجب الحجر عليهم
(1)
.
ولا يفيد هذا البخيل ماله إذا مات أو صار في القبر أو سقط في جهنم.
(1)
تفسير القرطبي: 84/ 20 - 85