الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى، إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} أي ألم يبلغك قصة موسى عليه السلام مع فرعون، حيث ابتعثه الله إليه، وأيّده بالمعجزات، حين ناداه ربّه ليلا، مكلما إياه، مكلفا له بالنبوة والرسالة في الوادي المبارك المطهّر وهو طوى: وهو الوادي في جبل سيناء الذي نادى الرّب فيه موسى.
وإنما ذكّر الله بقصة موسى عليه السلام؛ لأنه أبهر الأنبياء المتقدمين معجزة، ولأن فيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما يلاقيه من إعراض قومه، ولتهديد كفار قريش بإنزال عذاب مشابه لما أنزل بفرعون وجنوده، مع أنه كان أكثر جمعا وأشد قوة منهم.
ثم أبان الله تعالى مهمة موسى عليه السلام بقوله:
{اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} أي قال الله له: اذهب إلى فرعون طاغية مصر، فإنه جاوز الحد في العصيان والتكبر والكفر بالله، حيث ادّعى الربوبية، وتجبر على بني إسرائيل، واستعبد قومه.
ثم علّمه أسلوب الدعوة فقال:
{فَقُلْ: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى} أي فقل لفرعون بعد وصولك إليه: هل لك رغبة في التطهر من الشرك والعيوب؟ وإني أرشدك إلى معرفة الله وتوحيده وعبادته، فتخاف عقابه، بأداء ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه. والخشية لا تكون إلا من مهتد راشد.
وإنما أمره الله بلين القول، ليكون أنجع في الدعوة؛ لأن دعوة الجبابرة تتطلب عادة التلطف والرفق والمداراة، لتخفيف غلوائهم، واستنزال شيء من
عتوهم وتجبرهم. وقد تكرر الأمر باللين في هذه القصة في القرآن الكريم، كما جاء في قوله تعالى:{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً، لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} [طه 44/ 20].
والآية دليل على أن المقصود الأعظم من بعثة الرسل هداية الناس إلى معرفة الله، وأن معرفة الله تستفاد من الهادي.
ثم أبان الله تعالى أن موسى أظهر لفرعون معجزته، فقال:
{فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى} أي فأظهر له العلامة والمعجزة الكبرى الدالة على صدق نبوته، وهي انقلاب العصا حية أو اليد، ومع ذلك كذّب وخالف، كما قال تعالى:
{فَكَذَّبَ وَعَصى، ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى} أي فكذب فرعون بموسى وبما جاء به وبالحق، وعصى الله عز وجل فلم يطعه، وتولى وأعرض عن الإيمان، وأخذ يسعى بالفساد في الأرض، ويجتهد في مكايدة موسى ومعارضة ما جاء به.
والجمع بين {فَكَذَّبَ وَعَصى} للدلالة على أنه كذب بالقلب واللسان، وعصى بأن أظهر التمرد والتجبر.
{فَحَشَرَ فَنادى، فَقالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} أي فجمع جنوده للتشاور أو جمع السحرة للمعارضة، ثم نادى في المقام الذي اجتمعوا فيه معه، أو أمر مناديا ينادي قائلا: أنا الرّب الأعلى، وصاحب السلطان المطلق، الذي ليس لأحد سواي ولاية أمركم، ولا ربّ فوقي، فكان جزاؤه الإغراق مع جنوده، كما قال تعالى:
{فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى} أي أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وانتقم منه انتقاما جعله به عبرة ونكالا لأمثاله المتمردين في الدنيا، ونكّل به نكال الآخرة وهو عذاب النار، ونكال الأولى وهو