الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَثَمُودَ} قبيلة من العرب البائدة أيضا من ولد كاتر بن إرم بن سام، كانت تسكن بالحجر بين الشام والحجاز، وهم قوم صالح عليه السلام. {جابُوا الصَّخْرَ} قطعوا الصخر ونحتوه واتخذوه بيوتا. {بِالْوادِ} وادي القرى. {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ} حاكم مصر في عهد موسى عليه السلام، صاحب المباني العظيمة الثابتة ثبوت الأوتاد: جمع وتد، وهو ما يدق في الأرض.
{طَغَوْا} تجبروا في البلاد وتجاوزوا الحد في الظلم، صفة للمذكورين: عاد وثمود وفرعون.
{فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ} بالقتل والتعذيب والمنكرات. {فَصَبَّ} أفرغ وألقى وأنزل بهم العقوبة متتابعة. {سَوْطَ عَذابٍ} أي نوع عذاب ينزل بهم، وأصل السوط: الجلد الذي يضفر ليضرب به. {لَبِالْمِرْصادِ} أي يرصد أعمال العباد فلا يفوته شيء منها، ليجازيهم عليها. وأصل المرصاد:
مكان الرصّد أو الراصد، والرصّد: من يرصد الأمور، أي يترقبها ليعرف ما فيها من خير أو ضرر، ويطلق أيضا على الحارس، ويطلق على الواحد والجمع والمؤنث، والترصد: الترقب.
التفسير والبيان:
{وَالْفَجْرِ، وَلَيالٍ عَشْرٍ} أي قسما من الله بالفجر، أي الصبح الذي يظهر فيه الضوء، وينبلج النور؛ لأنه وقت انفجار الظلمة عن الليل، كل يوم، وما يترتب عليه من اليقظة والاستعداد لجلب المنافع وتحقيق المصالح بالانتشار في الأرض وطلب الرزق من الإنسان والحيوان، كما في قوله تعالى:{وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ} [التكوير 18/ 81]، وقوله:{وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ} [المدثر 34/ 74].
وقيل: المراد: القسم بصلاة الفجر.
وقسما بالليالي العشر من ذي الحجة ذات الفضيلة؛
ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس مرفوعا: «ما من أيام العمل الصالح أحبّ إلى الله فيهنّ من هذه الأيام-يعني عشر ذي الحجة-قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال:
ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلا خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء».
{وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} أي والزوج والفرد من كل الأشياء، ومنها هذه الليالي، أي بما حوته من زوج وفرد.
وقيل: الشفع يوم النحر لأنه عاشر الأيام، والوتر يوم عرفة لأنه تاسع الأيام، وقيل: الشفع: يوما التشريق الأول والثاني اللذان يجوز التعجل فيهما بالنفر من منى، والوتر: اليوم الثالث.
{وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ} وقسما بالليل إذا جاء وأقبل ثم ذهب وأدبر، كقوله تعالى:{وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} [المدثر 33/ 74]، وقوله:{وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ} ، [التكوير 17/ 81] أي أقبل ظلامه، أو أدبر، فكما في إقبال الصبح من عظيم النفع، في الظلام نفع أيضا، حيث تهدأ النفوس، وتستريح من عناء العمل، ثم في ذهابه نفع أيضا حيث يستعان بالراحة التي ارتاحها الجسم للعمل في النهار، ومجابهة المتاعب والأعمال.
{هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} أي أليس في القسم بهذه الأشياء قسم مقنع لكل ذي عقل أو لبّ؟ والحجر: العقل، فمن كان ذا عقل ولبّ، علم أن ما أقسم الله به من هذه الأشياء حقيق بأن يقسم به.
ثم ذكر الله تعالى بعض قصص الأمم السالفة للمثل والعبرة، فقال:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ} أي ألم تعلم أيها الإنسان المخاطب، كيف أهلك الله قبيلة عاد الأولى، وهم ولد عاد بن حوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، وتلقب أيضا بإرم، فإرم: اسم آخر لعاد الأولى، كما قال تعالى:{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى} [النجم 50/ 53]، ويقال لمن بعدهم عاد الأخرى. ومساكنهم الأحقاف بلاد الرمال بين عمان وحضرموت، ونبيهم هود عليه السلام.
وقد كانوا أهل عمد وخيام عالية في الربيع، ثم يرجعون إلى منازلهم إذا هاج النبت، وكانوا طوال القامة، ذوي أجسام قوية شديدة، وأشد الناس في زمانهم خلقة، وأقواهم بطشا، ولم يوجد في البلاد كلها مدينة محكمة البنيان ذات
أعمدة طوال منحوتة كمدينتهم، والصواب لم يوجد مثل تلك القبيلة في الطول والشدة والقوة كما قال تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ، وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً، فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف 69/ 7]، وقال سبحانه:{فَأَمّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَقالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ، هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصّلت 15/ 41].
وجواب القسم المبدوء به في أول السورة محذوف تقديره: لتعذبن يا كفار أهل مكة وأمثالكم، وقد دلّ على الجواب هذه الآية:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ؟} وما بعدها.
وضمير {لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها} على الصواب عائد على القبيلة، أي لم يخلق مثل عاد تلك القبيلة في البلاد، يعني في زمانهم، وليس على العماد لارتفاعها كما قال ابن زيد؛ لأنه لو كان المراد ذلك لقال: التي لم يعمل مثلها في البلاد، وإنما قال:{لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ}
(1)
.
{وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ} أي وقبيلة ثمود قوم صالح عليه السلام الذين قطعوا الصخر ونحتوه، وبنوا بالأحجار بيوتا يسكنون فيها، وقصورا وأبنية عظيمة، في الحجر ما بين الشام والحجاز، أو وادي القرى، كما جاء في قوله تعالى:{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ} [الشعراء 149/ 26]، وقوله سبحانه:{وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ} [الحجر 82/ 15].
{وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ} أي وحاكم مصر في عهد موسى عليه السلام، الذي هو صاحب المباني العظيمة، ومنها الأهرام التي بناها الفراعنة لتكون قبورا
(1)
تفسير ابن كثير: 507/ 4
لهم، وسخّروا في بنائها شعوبهم. وقيل: الأوتاد: الجنود والعساكر والجموع والجيوش التي تشدّ ملكه.
والتعبير بالأوتاد عن الأبنية يشير إلى هياكلهم العظيمة التي لها شكل الأوتاد المقلوبة، فهي عريضة القاعدة، ثم تصير رفيعة دقيقة في رأسها.
{الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ} أي هؤلاء الذين سبق ذكرهم وهم عاد وثمود وفرعون الذين تجاوزوا في بلادهم الحدّ في الظلم والجور، وتمردوا وعتوا، واغتروا بقوتهم، وأكثروا الفساد فيها بالكفر والمعاصي وظلم العباد.
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ} أي فأنزل الله تعالى على تلك الطوائف نوعا من العذاب الشديد، مشبها ما أوقعه بهم بالسوط المؤلم الذي يستعمل في تطبيق العقوبات. وقد ذكر نوع عقوباتهم تفصيلا في سورة الحاقة [الآيات: 5 - 10].
ثم ذكر الله تعالى سبب العذاب وهو الجريمة، فقال:
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ} أي إن الله يرصد عمل كل إنسان، فلا يفوته شيء، حتى يجازيه عليه بالخير خيرا، وبالشر شرّا، ولا يهمل منه شيئا قلّ أو كثر، صغر أو كبر. والمرصاد: المكان الذي يرقب فيه الرصد.
والغرض من تكرار هذه القصص في مواضع مختلفة من القرآن الكريم هو التذكير بها، والعظة والعبرة منها، إما بالاستدلال على قدرته تعالى، وإما ببيان قهره العباد، وإما بإنذارهم وتخويفهم، ليدركوا أن ما جرى على شخص أو قوم، يجري على النظير والمثيل.