الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث: تزود لمعاد، ومرمّة لمعاش، ولذة في غير محرّم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شانه، حافظا للسانه. ومن عدّ كلامه من عمله، قلّ كلامه إلا فيما يعنيه.
قال: قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح! وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب. وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يطمئن إليها!! وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل!! قال: قلت: يا رسول الله، فهل في أيدينا شيء مما كان في يدي إبراهيم وموسى، مما أنزل الله عليك؟ قال: نعم اقرأ يا أبا ذر: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى، إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى} والله تعالى أعلم بصحة هذا الحيث كما قال الألوسي.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
المطلوب تذكير الناس وموعظتهم، سواء نفعت الذكرى أم لم تنفع، ولكنها في النهاية لا تنفع إلا المؤمنين الذين يخشون الله ربهم، قال الحسن البصري: الذكرى تذكرة للمؤمن، وحجة على الكافر. وقال الجرجاني: التذكير واجب وإن لم ينفع.
2 -
يتجنب الذكرى عادة ويبعد عنها الشقي في علم الله الكافر، الذي يصلى ويدخل النار الكبرى، أي العظمى، وهي السفلى من أطباق النار، أو أن نار جهنم هي الكبرى، والصغرى نار الدنيا.
وإذا دخلها الكافر خلّد فيها إلى الأبد، فلا يموت فيستريح من العذاب، ولا يحيا حياة تنفعه.
3 -
قد نجا وفاز كل من تطهر من الشرك بالإيمان، وجنّب نفسه رذائل الأخلاق، وعمل بما يرضي ربه من الأعمال الصالحات، وذكر ربه بلسانه وقلبه فصلى الفرائض.
4 -
احتج بعض العلماء بقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى} على أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء الله عز وجل، والمسألة خلافية بين الفقهاء.
واحتجوا بها أيضا على وجوب تكبيرة الافتتاح، واحتج أبو حنيفة رحمه الله بالآية على أن تكبيرة الافتتاح ليست من الصلاة؛ لأن الصلاة معطوفة عليها، والعطف يستدعي المغايرة. وأجيب بما روي عن ابن عباس: أن المراد ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه، فصلى له.
5 -
يؤثر بعض الناس أو أغلبهم الدنيا، ويترك الاستعداد للآخرة، والآية:{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى} إشارة إلى الزجر عن الالتفات إلى الدنيا، والترغيب في الآخرة وفي ثواب الله تعالى، وهذه أمور لا يجوز أن تختلف باختلاف الشرائع.
6 -
الشرائع الإلهية متفقة في أصولها الاعتقادية والأخلاقية وتوجيه العبادة الخالصة لله عز وجل، وهذه نماذج من وحدة الشرائع: وجوب تزكية النفس وتطهيرها من الشرك والكفر ودنس الرذائل، ووجوب التذكر الدائم لله عز وجل وإقامة الصلوات المفروضة في أوقاتها، وضرورة الاستعداد للآخرة وإيثار ثوابها على ملذات الدنيا الفانية.
بل إن ما في السورة كله من التوحيد والنبوة والوعد والوعيد كان ثابتا في صحف الأنبياء الأقدمين؛ لأنها قواعد كلية لا تتغير بتغير الأزمان.