الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لإطفاء نور الإسلام، وإبطال أمر النبي صلى الله عليه وسلم. {وَأَكِيدُ كَيْداً} أقابلهم بما يعلي أمره، وأدبّر أمرا خفيا لهم، وأستدرجهم للانتقام منهم بحيث لا يحتسبون ولا يعلمون. وليس المقصود بالكيد إذا أسند إلى الله على حقيقته؛ لأن الله تعالى ليس بحاجة إليه، وإنما المراد به جزاء العمل، من قبيل المشاكلة والمشابهة للجرم المرتكب. {فَمَهِّلِ} أنظرهم أو أعطهم مهلة يا محمد، فلا تشتغل بالانتقام منهم، أو لا تستعجل بإهلاكهم. {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} أمهلهم إمهالا يسيرا، أو قليلا أو قريبا، وتكرار الفعل وتغيير بنيته للمبالغة في الوعيد. وقد أخذهم الله تعالى ببدر، وفتح مكة، وتطهرت الجزيرة العربية من رجس الوثنية.
المناسبة:
بعد إثبات توحيد الله وقدرته على خلق الإنسان أولا، وإعادته بالبعث والمعاد، أقسم الله قسما آخر على صحة نزول القرآن من عند الله مشتملا على القول الفصل، وصحة رسالة النبي الكريم الذي نزل عليه الوحي القرآني، ثم أردفه بوعيد المفترين على القرآن والكائدين للرسول صلى الله عليه وسلم، ووعد هذا النبي وكل داع إلى الحق بالفوز والغلبة على الأعداء.
التفسير والبيان:
{وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ، وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ، إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُوَ بِالْهَزْلِ} أي قسما آخر بالسماء ذات المطر الذي يجيء ويرجع ويتكرر من السماء، فيحيي الأرض بعد موتها، وينبت النبات، والأرض ذات الصدع: وهو ما تتصدع وتنشق عنه الأرض من النبات والثمار والشجر والمعدن والكنز والثروة النفطية والمائية، كما قال تعالى:{ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا..} . الآية [عبس 26/ 80 - 32] قسما بالسماء والأرض، إن القرآن الكريم لقول حق لا ريب فيه، يفصل بين الحق والباطل، ولم ينزل باللعب واللهو، فهو جدّ حقّ ليس بالهزل، ولا بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، تنزيل من حكيم حميد. فقوله:
{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} جواب القسم. وسمي المطر رجعا من ترجيع الصوت وهو
إعادته، لكونه عائدا مرة بعد أخرى، ولأنه ينشأ من تبخر بحار الأرض ثم يعود إلى الأرض.
أخرج الترمذي والدارمي عن علي كرم الله وجهه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنها ستكون فتنة، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله تبارك وتعالى، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وهو الذّكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن لمّا سمعته أن قالوا: {إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن 1/ 72 - 2]، من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم» .
ثم أوعد الله تعالى المكذبين بالقرآن الكائدين للمؤمنين بقوله:
{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً} أي إن الكفار زعماء مكة وأمثالهم يدبرون المكائد للنبي صلى الله عليه وسلم لإبطال ما جاء به من الدين الحق، وللصد عن سبيل الله وعن القرآن، بالقول بأن القرآن أساطير الأولين، وبأن محمدا ساحر أو مجنون أو شاعر، ويتآمرون على قتله، كما أخبر تعالى بقوله:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال 30/ 8].
ولكني أدبر لهم تدبيرا آخر، فأستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأجازيهم جزاء كيدهم. وقد سمى جزاء الكيد بالاستدراج والإمهال المؤدي إلى زيادة الإثم الموجبة لشدة العذاب كيدا.