الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهناك طعام آخر لأهل النار وهو الغسلين والزقّوم، قال تعالى:{وَلا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة 36/ 69] وقال: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ} [الدخان 43/ 44 - 44].
ذكر الحافظ أبو بكر البرقاني عن أبي عمران الجوني قال: مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدير راهب، فناداه: يا راهب، فأشرف، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما يبكيك من هذا؟ قال: ذكرت قول الله عز وجل في كتابه: {عامِلَةٌ ناصِبَةٌ، تَصْلى ناراً حامِيَةً} فذاك الذي أبكاني.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
القيامة يوم رهيب، يغشى الناس فيه غاشية شديدة من الأهوال والمخاوف.
2 -
تكون وجوه الكفار في ذلك اليوم ذليلة بالعذاب، خاضعة للعقاب، وقد كان أصحابها في الدنيا يعملون ويتعبون أنفسهم؛ لأن الآخرة ليست دار عمل، مثل عبدة الأوثان وأصحاب الصوامع والرهبان وغيرهم، خشعت وجوههم لله، وعملت ونصبت في أعمالها من غير نفع لهم في الآخرة؛ لأن أعمالهم مبنية على غير أساس من الدين الحنيفي القائم على التوحيد الخالص والإخلاص الكامل لله عز وجل، والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له، قال تعالى واصفا عمل هؤلاء:{قُلْ: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً، أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ، فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ، فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً، ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا، وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً} [الكهف 103/ 18 - 106].
3 -
ومكانهم هو النار الشديدة الحر، ومشروبهم هو {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي من ينبوع ماء متناه في الحرارة، ومطعومهم الضريع الذي لا يسمن آكله، ولا يدفع الجوع عنه. جاء في الخبر عن ابن عباس:(الضريع: شيء يكون في النار يشبه الشّوك، أمرّ من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حرّا من النار)
(1)
.
وقال العلماء: إن للنار دركات، وأهلها على طبقات؛ فمنهم من طعامه الزّقوم، ومنهم من طعامه غسلين، ومنهم من طعامه ضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصّديد:{لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر 44/ 15]. ووجود النبت في النار ليس ببدع من قدرة الله، كوجود بدن الإنسان والعقارب والحيات فيها.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ} قال المشركون على سبيل التعنت: إن إبلنا لتسمن بالضّريع، فنزلت:
{لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} أي ليس فيه منفعة الغذاء، ولا الاسمان ودفع الجوع.
وهذا دليل على أن طعامهم ليس من جنس طعام الإنس، ولكن من جنس الشوك الذي ترعاه الإبل ما دام رطبا، فإذا يبس، نفرت عنه؛ لأنه سم قاتل.
ودليل أيضا على تكذيب الله لهم في قولهم: «يسمن الضريع» .
والخلاصة: أن وصف أحوال النار على النحو المذكور يستدعي الفرار منه، وإبعاد النفس عن موجبات هذا العذاب، من العقيدة الفاسدة، والعمل الخاسر، ولا عقيدة صحيحة إلا بتوحيد الله والإيمان بالقرآن والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عمل مقبول إلا على وفق ما جاء به الإسلام. ولا أقول هذا لأني مسلم، وإنما هذا الذي صح دليله.
(1)
تفسير القرطبي: 30/ 20