الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإخبار بما يسرّ، والمراد هنا الإخبار عن العذاب تهكما واستهزاء بهم. {إِلاَّ الَّذِينَ} أي لكن فهو استثناء منقطع، ويصح كونه استثناء متصلا أي من تاب وآمن منه. {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير مقطوع ولا منقوص ولا يمن به عليهم، يقال: فلان منّ الحبل: إذا قطعه.
المناسبة:
بعد بيان أحوال الناس وانقسامهم فريقين يوم القيامة: سعداء وأشقياء، أكد الله تعالى وقوع يوم القيامة وما يتبعها من الأهوال بالقسم بآيات واضحة في الكون: وهي الشفق والليل والقمر على أن البعث كائن لا محالة، وأن الناس يتعرضون لشدائد الأهوال.
ثم حكى تعالى بعض عجائب الناس أنهم لا يؤمنون بالقرآن وبالبعث، ولا يخضعون لآي القرآن العظيم، عنادا منهم واستكبارا، فيجازون أشد العذاب، إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فله الثواب الدائم غير الممنون به عليه.
التفسير والبيان:
{فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ، وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ، وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} أي يقسم الله تعالى بالشفق الذي هو الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس إلى وقت العشاء، وبالليل الأسود البهيم وما جمع وضم، وستر كل ما كان منتشرا ظاهرا في النهار، وبالقمر إذا اجتمع وتكامل وصار بدرا في منتصف كل شهر قمري. والقسم بهذه الأشياء دليل على تعظيمها وتعظيم قدر مبدعها.
ولا أقسم: قسم، وأما حرف (لا) فهو نفي ورد لكلام سابق قبل القسم، وهنا رد الله تعالى على المشرك الذي ظن أن لن يحور، بأنه سيرجع ويبعث، وأبطل ظنه، ثم أقسم بعده بالشفق.
{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} جواب القسم، أي لتصادفن أحوالا بعد أحوال، هي طبقات في الشدة، بعضها أشد من بعض، وهي الموت وما بعده من
مواطن القيامة وأهوالها، ثم يكون المصير الأخير: الخلود في الجنة أو في النار.
ونظير الآية قوله: {بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ، ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ} [التغابن 7/ 64]. وقوله: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً} [المزمل 17/ 73].
ثم أنكر الله تعالى على الكفار استبعادهم البعث، فقال:
{فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} أي فأي شيء أو فماذا يمنعهم عن الإيمان بصحة البعث والقيامة، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به القرآن، مع وجود موجبات الإيمان بذلك، من الأدلة الكونية القاطعة الدالة على قدرة الله على كل شيء، والمعجزات الظاهرة الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصدق الوحي القرآني المنزل عليه.
وهذا استفهام إنكار، وقيل: تعجب، أي اعجبوا منهم في ترك الإيمان مع هذه الآيات.
{وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} أي وأيّ مانع لهم من سجودهم وخضوعهم عند قراءة القرآن الذي دل إعجازه على كونه منزلا من عند الله تعالى؟! ويكون سجودهم إعظاما وإكراما واحتراما لآي القرآن، بعد أن علموا كونه معجزا، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة.
قد احتج أبو حنيفة رحمه الله بالآية على وجوب السجود، فإنه ذم لمن سمعه، ولم يسجد.
ثم أبان الله تعالى سبب عدم إيمانهم بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واليوم الآخر، فقال:{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ} أي والواقع أن الكفار يكذبون بالكتاب المشتمل على إثبات التوحيد والبعث والثواب والعقاب، إما حسدا للرسول صلى الله عليه وسلم، وإما خوفا من ضياع المنافع والمراكز والمناصب