الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{ضُحاها} ، {دَحاها} ، {مَرْعاها} ، {أَرْساها} سجع مرصع وهو توافق الفواصل في الحرف الأخير.
المفردات اللغوية:
{أَشَدُّ خَلْقاً} أصعب خلقا. {أَمِ السَّماءُ} أشد خلقا. {بَناها} بيان لكيفية خلقها، والمسؤول يجيب، ولا بد أن يكون الجواب: السماء، لما يرى من ديمومة بقائها وعدم تأثرها.
{رَفَعَ سَمْكَها} تفسير لكيفية البناء، والسمك أو السمت: مقدار الارتفاع من الأسفل إلى الأعلى، والمعنى: جعل الله مقدار ارتفاعها من الأرض وسماكتها باتجاه العلو رفيعا ثخينا. {فَسَوّاها} جعلها مستوية الخلق معدلة محكمة بلا عيب، بحيث جعل كل جزء في موضعه.
{وَأَغْطَشَ لَيْلَها} أظلمه. {وَأَخْرَجَ ضُحاها} أبرز نور شمسها، والمراد بالضحى:
النهار، كقوله:{وَالشَّمْسِ وَضُحاها} أي النهار. {دَحاها} بسطها ومهّدها للإنسان، وجعلها كالبيضة ليست تامة الكروية، كما هو معروف، فهي مفلطحة من جانبها. {أَخْرَجَ مِنْها} أي أخرج مخرجا منها. {ماءَها} بتفجير العيون. {وَمَرْعاها} نباتها، وهو يشمل ما ترعاه الأنعام من الشجر والعشب، وما يأكله الناس من الأقوات والثمار. {مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ} أي متعة ومنفعة لكم ولأنعامكم، أو تمتيعا لكم ولمواشيكم، والأنعام: جمع نعم، وهي الإبل والبقر والغنم.
المناسبة:
بعد بيان قصة موسى وفرعون، عاد إلى مخاطبة منكري البعث محتجا عليهم ببدء الخلق على إعادته، فإنه تعالى خلق السموات البديعة، والأرض الوسيعة المعدّة للاستقرار والحياة عليها بإعداد وسائل المعيشة فيها، وخلق الجبال الرواسي لإرساء الأرض وتثبيتها.
التفسير والبيان:
{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها، رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها؟} أي هل أنتم أيها الناس أصعب خلقا بعد الموت، وبعثكم أشدّ عندكم وفي تقديركم من خلق السماء؟ لا شك بأن السماء أشدّ خلقا، كما قال تعالى:{لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ} [غافر 57/ 40] وقال سبحانه: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس 81/ 36]. فمن قدر على خلق السماء ذات الأجرام العظيمة التي يتحدث عنها علماء الفلك والفضاء بدهشة، وفيها من عجائب الصنع وبدائع القدرة ما هو واضح، كيف يعجز عن إعادة الأجسام التي أماتها بعد أن خلقها أول مرة؟! ثم بيّن الله تعالى صفة خلق السموات، وأنه بناها بضم أجزائها بعضها إلى بعض، مع ربطها بما يمسكها حتى صارت بناء واحدا، ورفع ثخانتها في الجو، وجعلها كالبناء المرتفع فوق الأرض بدون أعمدة، وجعلها عالية البناء، مستوية الخلق، معدّلة الشكل، لا تفاوت فيها ولا اعوجاج، ولا فطور ولا شقوق، بان أبدع في خلق الكواكب العديدة التي تفوق الملايين، وجعل لكل كوكب حجما معينا، ومدارا يسير فيه دون تصادم مع غيره، حتى صار من مجموعها ما يسمى بالسماء، وما يشبه البناء.
{وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها} أي جعل ليل السماء مظلما، وأبرز وأنار نهارها المضيء بإضاءة الشمس، وجعل تعاقب الليل والنهار واختلاف الفصول مناخا صالحا للعيش والسكنى.
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} أي بسط الأرض ومهدها وجعلها مفلطحة كالبيضة بعد خلق السماء، إلا أنها كانت مخلوقة غير مدحوة قبل خلق السماء، ثم دحيت بعد خلق السماء، كما جاء في سورة السجدة (فصّلت):{قُلْ: أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً، ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها، وَبارَكَ فِيها، وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيّامٍ، سَواءً لِلسّائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ، فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ: اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، قالَتا: أَتَيْنا طائِعِينَ} [9 - 11] فهذه الآية دليل على أن خلق السموات كان بعد خلق الأرض، إلا أن دحو الأرض وتمهيدها كان بعد خلق السموات
(1)
.
(1)
تفسير ابن كثير: 468/ 4