الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونحن نحاسبهم على أعمالهم بعد رجوعهم إلى الله بالبعث، إن خيرا فخير، وإن شرا فشرّ، فلا مفر للمعرضين، ولا خلاص للمكذبين من العقاب.
وفائدة تقديم الظرف أو الجار والمجرور في الموضعين الحصر والتشديد بالوعيد، أي ليس مرجعهم إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام وإيفاء جزاء كل طائفة، وأن حسابهم ليس بواجب إلا عليه بمقتضى الحكمة البالغة، وهو الذي يحاسب على الصغير والكبير
(1)
.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
ذكّر الله تعالى الناس بصنعته وقدرته، وأنه قادر على كل شيء، بعد أن ذكر أمر أهل الدارين، فتعجب الكفار من ذلك، فكذبوا وأنكروا. وقد ذكّرهم بخلق الإبل؛ لأنها كثيرة في العرب، وبخلق السماء ورفعها عن الأرض بلا عمد، وبخلق الجبال الراسيات المنصوبة على الأرض، بحيث لا تزول، وبخلق الأرض كيف بسطت ومدت ومهدت لأهلها كي يستطيعوا العيش عليها بقرار وأمان.
2 -
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير قومه وعظتهم وتخويفهم، وطمأنه بأنه مجرد واعظ، ليس بمسلّط عليهم، فيقتلهم، أو يجبرهم على الإيمان برسالته.
3 -
حذر الله تعالى من مخالفة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته، فأنذر كل من تولى عن الوعظ والتذكير بالعذاب الأكبر في الآخرة، وهو عذاب جهنم الدائم، ووصف العذاب بالأكبر؛ لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والأسر والقتل.
وهذا على أن الاستثناء منقطع، وقيل: هو استثناء متصل، والمعنى: لست
(1)
تفسير الكشاف: 334/ 3، تفسير الرازي: 160/ 31
بمسلط إلا على من تولى وكفر، فأنت مسلّط عليه بالجهاد، والله يعذبه بعد ذلك العذاب الأكبر، فلا نسخ في الآية على هذا التقدير.
والأظهر في رأي بعض المفسرين أن يكون الاستثناء متصلا، لا باعتبار الحال، فإن السورة مكية، ولكن بالنظر إلى الاستقبال، أي إلا المصرّين على الإعراض والكفر، فإنك تصير مأمورا بقتالهم، مستوليا عليهم بالغلبة والقهر
(1)
.
والظاهر لدي أن يكون الاستثناء منقطعا، أي لست بمصيطر ولا بمستول عليهم، ولكن من تولى وكفر، فإن لله الولاية والقهر عليه، فهو يعذبه العذاب الأكبر في الآخرة، بعد العذاب الأصغر في الدنيا وهو القتل والسبي، كما قال تعالى:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة 21/ 32]. وهذا ما سار عليه أغلب المفسرين، مشيرين إلى القول الثاني بصيغة (قيل) المفيدة للتضعيف.
4 -
تضمنت السورة في خاتمتها ما يصلح للوعد والوعيد والترغيب والترهيب، فإن مصير جميع الناس ورجوعهم بعد الموت إلى الله عز وجل، وحسابهم إليه وحده.
والحساب وإن كان حقا لله تعالى، ولا يجب على المالك أن يستوفي حق نفسه، إلا أنه تعالى جعل الحساب واجبا عليه، إما بحكم وعده الذي لا خلف فيه، وإما بمقتضى الحكمة والعدل، فإنه لو لم ينتقم للمظلوم من الظالم، لكان ذلك شبيها بكونه تعالى راضيا بذلك الظلم، وتعالى الله عنه، فلهذا السبب كانت المحاسبة واجبة
(2)
.
(1)
غرائب القرآن: 85/ 30
(2)
تفسير الرازي: 160/ 31