الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ} أي هلك وخسر، قال تعالى:{وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ} [غافر 37/ 40] وهذه الجملة دعاء عليه، وأبو لهب: أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم واسمه: عبد العزّى بن عبد المطلب، وكنيته: أبو عتيبة، وإنما كني أبا لهب لحمرة وجهه. {وَتَبَّ} أي قد خسر، وهذا خبر بعد الدعاء عليه، كقولهم: أهلكه الله وقد هلك، والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه.
{وَما كَسَبَ} أي وكسبه أو مكسوبه بماله من النتائج والأرباح، وقوله:{ما أَغْنى} أي يغني.
{سَيَصْلى ناراً} سيجد حرها ويذوق وبالها. {ذاتَ لَهَبٍ} لهب النار: ما يسطع منها عند اشتعالها، وذات لهب: أي تلهب وتوقد، وهي مناسبة لكنيته بأبي لهب: أي تلهب وجهه إشراقا وحمرة. {وَامْرَأَتُهُ} هي من سادات قريش، وكنيتها: أم جميل، واسمها: أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان. {حَمّالَةَ الْحَطَبِ} أي تحمله حقيقة، فتحمل حزمة الشوك والحسك، وتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو تحمل حطب جهنم؛ لأنها تحمل الأوزار بمعاداة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحمل زوجها على إيذائه. أو أن التعبير كناية عن النميمة التي توقد الخصومة بين الناس.
{فِي جِيدِها} في عنقها. {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} حبل مفتول من ليف، أي مما مسّد أي فتل وربط الحبل على هذه الصورة: تصوير لها بصورة الحطّابة التي تحمل الحزمة، وتربطها في عنقها، تحقيرا لشأنها، أو بيانا لحالها في نار جهنم حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنم كالزقوم والضريع، وفي جيدها سلسلة من النار.
التفسير والبيان:
{تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ، وَتَبَّ 1} أي هلكت يداه وخسرت وخابت، وهو مجاز عن جملته، أي هلك وخسر، وهذا دعاء عليه بالهلاك والخسران. ثم قال:
{وَتَبَّ} أي وقد وقع فعلا هلاكه، وهذا خبر من الله عنه، فقد خسر الدنيا والآخرة. وأبو لهب: عم النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد العزّى بن عبد المطلب، وقد كان كثير الأذى والبغض والازدراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدينه.
(1)
لم يقل في أول هذه السورة قل كما في سورة الكافرين، حتى لا يشافه عمه بما يزيد في غضبه، رعاية للحرمة، وتحقيقا لمبدأ الرحمة.
ثم أخبر الله تعالى عن حال أبي لهب في الماضي، فقال:
{ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ} أي لم يدفع عنه يوم القيامة ما جمع من المال، ولا ما كسب من الأرباح والجاه والولد، ولم يفده ذلك في دفع ما يحل به من الهلاك، وما ينزل به من عذاب الله، بسبب شدة معاداته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدّه الناس عن الإيمان به، فإنه كان يسير وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قال شيئا كذّبه.
روى الإمام أحمد عن ربيعة بن عبّاد من بني الدّيل، وكان جاهليا فأسلم، قال:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز، وهو يقول: يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه، أحول، ذو غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فقالوا: هذا عمه أبو لهب» . والفرق بين المال والكسب:
أن الأول رأس المال، والثاني هو الربح.
ثم ذكر الله تعالى عقابه في المستقبل، فقال:
{سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ} أي سيذوق حرّ نار جهنم ذات اللهب المشتعل المتوقد، أو سوف يعذب في النار الملتهبة التي تحرق جلده، وهي نار جهنم. قال أبو حيان: والسين للاستقبال، وإن تراخى الزمان، وهو وعيد كائن إنجازه لا محالة، وإن تراخى وقته
(1)
.
{وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ} أي وتصلى امرأته أيضا نارا ذات لهب، وهي أم جميل، أروى بنت حرب، أخت أبي سفيان، كانت تحمل الشوك والغضى، وتطرحه بالليل على طريق النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: المراد أنها كانت تمشي بالنميمة،
(1)
البحر المحيط: 526/ 8
فيقال للمشاء بالنمائم، المفسد بين الناس: يحمل الحطب بينهم، أي يوقد بينهم النائرة، ويورّث الشر، وهذا رأي الكثيرين.
قال أبو حيان: والظاهر أنها كانت تحمل الحطب، أي ما فيه شوك، لتؤذي بإلقائه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لتعقرهم، فذمت بذلك، وسميت حمالة الحطب.
{فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} أي في عنقها حبل مفتول من الليف، من مسد النار، أي مما مسّد من حبالها أي فتل من سلاسل النار. وقد صورها الله في حالة العذاب بنار جهنم بصورة حالتها في الدنيا عند النميمة، وحينما كانت تحمل حزمة الشوك وتربطها في جيدها، ثم تلقيها في طريق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل مجرم يعذب بما يجانس حاله في جرمه. وقيل: صورها الله في الدنيا بصورة حطّابة ممتهنة احتقارا لها، وإيذاء لها ولزوجها.
ولما سمعت أم جميل هذه السورة أتت أبا بكر، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وبيدها فهر (حجر) فقالت: بلغني أن صاحبك هجاني، ولأفعلنّ وأفعلنّ، وأعمى الله تعالى بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فروي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال لها: هل تري معي أحدا؟ فقالت: أتهزأ بي؟ لا أرى غيرك
(1)
.
والظاهر هو المعنى الأول؛ قال سعيد بن المسيّب: كانت لأم جميل قلادة فاخرة، فقالت: واللات والعزّى لأنفقنّها في عداوة محمد، فأعقبها الله حبلا في جيدها من مسد النار.
(1)
البحر المحيط: 526/ 8 وما بعدها، تفسير ابن كثير: 564/ 4 وما بعدها.