الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقدرته بما يشاهدونه من آثار القدرة من السماء العالية، والأرض التي يسكنون فيها، والإبل التي ينتفعون بها في نقل الأحمال والانتفاع بلحومها وأوبارها وألبانها، والجبال الراسيات التي ترشد السالكين، فيستدلون بذلك على قدرته تعالى على بعث الأجساد والمعاد وصحة عقيدة التوحيد.
ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكّرهم بهذه الأدلة والبراهين وأمثالها، لينظروا فيها، وليصبر على معارضتهم، فإنما بعث لذلك دون غيره.
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته ووجوده وتوحيده، فيقول:
{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ؟} أي كيف يصح للمشركين إنكار البعث والمعاد واستبعاد وقوع ذلك، وهم يشاهدون الإبل التي هي غالب مواشيهم وأكبر المخلوقات في بيئتهم، كيف خلقها الله على هذا النحو البديع، من عظم الجثة، ومزيد القوة، وبديع الأوصاف، فهي خلق عجيب، وتركيب غريب، ومع ذلك تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للولد الصغير، وتؤكل، وينتفع بوبرها، ويشرب لبنها، وتصبر على الجوع والعطش. وبدأ تعالى التنبيه بها؛ لأن غالب دواب العرب كانت الإبل، وأيضا مرافق الإبل أكثر من مرافق الحيوانات الأخر؛ فهي مأكولة، ولبنها مشروب، وتصلح للحمل والركوب، وقطع المسافات البعيدة عليها، والصبر على العطش، وقلة العلف، وكثرة الحمل، وهي معظم أموال العرب.
{وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} وألا يشاهدون السماء كيف رفعت فوق الأرض بلا عمد؟ كما قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ؟} [ق 6/ 50].
{وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} أي جعلت منصوبة قائمة مرفوعة على الأرض، فإنها ثابتة راسية لئلا تميد الأرض بأهلها، والنظر إليها مبعث هيبة وتعجب، ويستفيد من وجودها وتسلسلها السالكون في البراري والقفار، والأعجب من هذا أن كثيرا من الينابيع المائية تنبع منها، وفيها منافع كثيرة ومعادن وفيرة، ويقتطع منها أحجار ضخمة، ورخام ذو ألوان مختلفة بديعة.
{وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} كيف بسطت ومدّت ومهّدت، ليستقر عليها ساكنوها، وينتفعوا بما فيها من خيرات ومعادن دفينة، وما تخرجه من نباتات وزروع وأشجار متنوعة، بها قوام الحياة والمعيشة.
وتسطيح الأرض إنما هو بالنسبة للناظر والمقيم عليها، ولا يعني ذلك أنها ليست بكرة؛ لأن الكرة-كما ذكر الرازي-إذا كانت في غاية العظمة يكون كل قطعة منها كالسطح
(1)
.
وإنما ذكرت هذه المخلوقات دون غيرها؛ لأنها أقرب الأشياء إلى الإنسان الناظر فيها، فهو يشاهد صباح مساء بعيره، ويرى السماء التي تظلله، والجبال التي تجاوره، والأرض التي تقلّه.
ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالتذكير بهذه الأدلة، فقال:
{فَذَكِّرْ، إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} أي فذكر يا محمد الناس بما أرسلت به إليهم، وعظهم وخوفهم، والفت نظرهم إلى ضرورة التأمل بهذه الأدلة والبراهين وأمثالها الدالة على قدرة الله على كل شيء، ومنها البعث والمعاد، وليس عليك إلا التذكير فقط، فإنما بعثت لهذا الغرض، ولا سلطان ولا سيطرة لك عليهم لحملهم على أن يؤمنوا بالله وبرسالتك، ولجبرهم على ما تريد، فإن
(1)
التفسير الكبير: 157/ 31 - 158
آمنوا فقد اهتدوا، وإن أعرضوا فقد ضلوا وكفروا، كما قال سبحانه:{فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ، وَعَلَيْنَا الْحِسابُ} [الرعد 40/ 13].
وقوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} تأكيد لمهمة التذكير فقط، وتقرير لها، ونظير الآية قوله:{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟} [يونس 99/ 10] وقوله: {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ} [ق 45/ 50].
روى أحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عز وجل» ثم قرأ: {فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}
(1)
.
{إِلاّ مَنْ تَوَلّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ} أي لكن من تولى عن الوعظ والتذكير، وكفر بالحق بقلبه ولسانه، فيعذبه الله في الآخرة عذاب جهنم الدائم، عدا عذاب الدنيا من قتل وأسر واغتنام مال؛ لأنه إذا كان لا سلطان لك عليهم، فإن الله هو المسيطر عليهم، لا يخرجون عن قبضته وقوته وسلطانه.
أخرج الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي: مرّ على خالد بن يزيد بن معاوية، فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا كلكم يدخل الجنة، إلا من شرد على الله شراد البعير عن أهله» .
ثم أكد الله تعالى وقوع البعث والحساب والعذاب، فقال:
{إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ} أي إن إلينا مرجعهم ومصيرهم،
(1)
الحديث مخرج في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة بدون ذكر هذه الآية.