الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{كَلاّ} ردع عن الاغترار بكرم الله تعالى، فهي كلمة تفيد نفي شيء تقدم، وتحقق غيره.
{بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} {بَلْ} : إضراب إلى بيان ما هو السبب الأصلي في اغترارهم. والمراد.
{بِالدِّينِ} : الجزاء على الأعمال يوم القيامة. {لَحافِظِينَ} ملائكة حفظة لأعمالكم، يحصون كل ما كان منها من خير أو شر. {كِراماً} عند الله، ووصفهم بذلك لتعظيم الجزاء. {يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ} يعلمون جميع الأفعال.
{الْأَبْرارَ} هم المؤمنون الصادقون في إيمانهم، الذين يفعلون البرّ (الخير) ويتقون الله في كل أفعالهم، جمع برّ. {نَعِيمٍ} جنّة. {الْفُجّارَ} هم الكفار التاركون لما شرع الله لعباده، جمع فاجر. {جَحِيمٍ} نار محرقة. {يَصْلَوْنَها} يدخلونها ويقاسون حرّها. {يَوْمَ الدِّينِ} يوم الجزاء. {وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ} أي لا يخرجون منها، لخلودهم فيها.
{وَما أَدْراكَ} ما أعلمك وعرّفك، وكرر الجملة لتفخيم شأن اليوم وتعظيم هوله، بحيث لا يدركه إنسان. {لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} من المنفعة. {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ} أي لا أمر لغيره فيه، فلا يمكّن أحد من التوسط فيه. والمقصود بالآية تقرير شدة هول ذلك اليوم، وتفخيم أمره إجمالا.
المناسبة:
بعد بيان أمارات الساعة الدالة على صحة القول بالبعث والنشور، وبعد تعداد نعم الله على الإنسان، وجحوده إياها، ذكر الله تعالى علة هذا الجحود وهو التكذيب بالبعث، ثم رغب بالطاعة، وحذر من المعصية بسبب كتابة الحفظة جميع الأعمال، ثم أوضح أن الناس يوم القيامة فريقان: أبرار منعمون، وفجار معذبون مخلّدون في النار، وأن يوم القيامة ذو شدائد وأهوال، تتجرد فيه النفوس من قواها، ويتفرد الله عز وجل بالحكم والسلطان.
التفسير والبيان:
{كَلاّ، بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} أي ارتدعوا وانزجروا عن الاغترار بكرم الله وجعله ذريعة إلى الكفر به، والواقع أنكم تكذبون بيوم المعاد والحساب
والجزاء، حيث لا يحملكم الخوف من هذا اليوم على التزام طاعة الله واجتناب معاصيه.
ثم زاد في التحذير من العناد والتكذيب بالإخبار أن جميع الأعمال مرصودة على الناس بالملائكة، فقال:
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ، كِراماً كاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ} أي إن عليكم لملائكة حفظة كراما، فلا تقابلوهم بالقبائح، فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم، ويعلمون جميع ما تفعلون، كما قال تعالى:{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ، ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق 17/ 50 - 18].
وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين: الجنابة والغائط.
فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجرم حائط، أو ببعيره، أو ليستره أخوه».
ورواه الحافظ أبو بكر البزار، فوصله بلفظ آخر، وأسنده عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ينهاكم عن التعري، فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم، الكرام الكاتبين، الذين لا يفارقونكم إلا عند ثلاث حالات: الغائط، والجنابة، والغسل، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء، فليستتر بثوبه أو بجرم حائط، أو ببعيره» .
لذا كره العلماء الكلام عند الغائط والجماع، لمفارقة الملك العبد عند ذلك.
ثم ذكر الله تعالى تصنيف الناس العاملين يوم القيامة فريقين نتيجة كتابة الحفظة لأعمال العباد، فقال:
{إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ، يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ} أي {إِنَّ الْأَبْرارَ} : وهم الذين أطاعوا الله عز وجل، ولم يقابلوه بالمعاصي يصيرون إلى دار النعيم وهي الجنة، {وَإِنَّ الْفُجّارَ}: وهم الذين كفروا بالله وبرسله، وقابلوا ربّهم بالمعاصي، يصيرون إلى دار الجحيم، وهي النار المحرقة،
يدخلونها ويقاسون حرها يوم الجزاء الذي كانوا يكذبون به، كما قال تعالى:
{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى 7/ 42].
{وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ} أي لا يفارقون الجحيم ولا يغيبون عن العذاب ساعة واحدة، ولا يخفف من عذابها، بل هم فيها إلى الأبد، ملازمون لها، كما قال تعالى:{وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها} [البقرة 167/ 2].
ثم وصف يوم القيامة وصفا إجماليا في غاية التهويل وأكد ذلك مرتين، فقال:
{وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ} أي وما أعلمك وما أعرفك ما يوم الجزاء والحساب، وكرر الجملة تعظيما لشأن يوم القيامة، وتفخيما لقدره، وتهويلا لأمره، مما يستدعي التدبر والتأمل، فلو عرف المرء تلك الأهوال، لما فارق طاعة الله ساعة، وابتعد عن المعصية بعد السماء من الأرض، ولكن الإنسان في غفلة وسهو وتجاهل، يعيش في الآمال، ويعتمد على الأحلام أحيانا، ويهرب من الواقع.
ثم حسم الله تعالى الأمر، وأبان حقيقة الموقف، ودور الإنسان فيه، فقال:
{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ} أي إنه اليوم الذي لا يقدر فيه أحد كائنا من كان عليه نفع أحد، ولا خلاصه مما هو فيه، إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، ولا يملك أحد القضاء بشيء أو صنع شيء، إلا الله ربّ العالمين، فهو المتفرد بالحكم والسلطان، فبيده الأمر كله، وإليه ترجع الأمور كلها. قال قتادة: والأمر، والله اليوم، لله، ولكنه لا ينازعه فيه يومئذ أحد.
ونظير الشطر الأول من الآية قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [البقرة 48/ 2]، وقوله عز وجل: {الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ