الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
وصف الله تعالى أبا جهل وأمثاله من الطغاة المتمردين المتكبرين بأنه ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه عن عبادة الله تعالى، وأنه فيما يأمر به من عبادة الأوثان ليس على طريق سديدة، ولا على منهج الهدى، ولا من الآمرين بالتقوى، أي التوحيد والإيمان والعمل الصالح، وأنه في الحقيقة مكذب بكتاب الله عز وجل، ومعرض عن الإيمان.
2 -
هدد الله تعالى هذا الطاغية بالحشر والنشر، فإن الله تعالى عالم بجميع المعلومات، حكيم لا يهمل، عالم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فلا بد أن يجازي كل أحد بما عمل. وفي هذا تخويف شديد للعصاة، وترغيب قوي لأهل الطاعة.
وهذه الآية، وإن نزلت في حق أبي جهل، فكل من نهى عن طاعة الله، فهو شريك أبي جهل في هذا الوعيد، كما تقدم.
ولا يعترض عليه بالمنع من الصلاة في الدار المغصوبة، والأوقات المكروهة؛ لأن المنهي عنه غير الصلاة، وهو المعصية.
كذلك لا يعترض عليه بمنع الزوجة عن صوم التطوع وعن الاعتكاف؛ لأن ذلك لاستيفاء مصلحة الزوج بإذن الله، لا بغضا بعبادة ربه.
3 -
زاد الله تعالى في الزجر والوعيد لذلك الطاغية أبي جهل وأمثاله: بأنه إن لم ينته عن أذى محمد ليأخذن الله بناصيته (مقدم شعر رأسه) وليذلّنه ويجرّنه إلى نار السعير؛ لأن ناصية أبي جهل كاذبة في قوله، خاطئة في فعلها، والخاطئ
معاقب مأخوذ، والمخطئ
(1)
غير مؤاخذ. والمراد أن صاحب تلك الناصية كاذب خاطئ، كما يقال: نهاره صائم، وليله قائم، أي هو صائم في نهاره، قائم في ليله.
4 -
تحدى الله تعالى هذا الطاغية مع التهكم والتوبيخ بأن يطلب أهل مجلسه وعشيرته، ليستنصر بهم، فإنه إذا فعل أحضر الله الزبانية الملائكة الغلاظ الشداد لإلقائه في نار السعير.
5 -
بالغ الله تعالى في زجر هذا الكافر عن كبريائه، ونفى قدرته على تحقيق تهديده، وحقّره وأبان صغر شأنه وعجز نفسه، فليس الأمر كما يظنه أبو جهل، ولا تطعه يا محمد فيما دعاك إليه من ترك الصلاة، وصل لله، وتقرب إلى جنابه بالطاعة والتعبد.
وإنما عبّر عن الصلاة لله بقوله {وَاسْجُدْ} لما
روى عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه، وأحبه إليه، جبهته في الأرض، ساجدا لله» .
وعند مسلم عن أبي هريرة: «أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» .
وإنما كان ذلك؛ لأن السجود على الأرض نهاية العبودية والذلة، ولله غاية العزة، وله العزة التي لا مقدار لها، فكلما بعدت من صفته، قربت من جنته، ودنوت من جواره في داره.
جاء في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«أما الركوع فعظموا فيه الرب. وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فإنه قمن
(2)
أن يستجاب لكم»
(3)
.
(1)
الخاطئ: الآثم القاصد للذنب. والمخطئ: من أراد الصواب، فصار إلى غيره.
(2)
قمن: خليق وجدير.
(3)
تفسير القرطبي: 128/ 20