الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أنذر بالعقاب في الآخرة، فقال:
{إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى} أي إن الرجوع والمصير إلى الله وحده، لا إلى غيره، فهو الذي يحاسب كل إنسان على ماله من أين جمعه، وأين صرفه.
ويلاحظ أن هذا الكلام جاء على طريقة الالتفات إلى خطاب الإنسان، تهديدا له، وتحذيرا من عاقبة الطغيان.
روى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود: منهومان لا يشبعان: صاحب العلم، وصاحب الدنيا، ولا يستويان، فأما صاحب العلم فيزداد رضا الرحمن، وأما صاحب الدنيا، فيتمادى في الطغيان، ثم قرأ عبد الله:{إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} وقال للآخر: {إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ}
وقد روي هذا مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا» .
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
بيان قدرة الله تعالى بالخلق، فهو الخالق، والتنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة: قطعة دم جامد رطب غير جاف. وهذه الآيات الكريمات أول شيء نزل من القرآن، وهن أول رحمة من الله لعباده وأول نعمة أنعم الله بها عليهم.
2 -
أمر الله سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقرأ القرآن باسم ربّه الذي خلق، واسم الذي علّم الإنسان ما لم يعلم.
3 -
أمر الله تعالى أيضا بتعلم القراءة والكتابة؛ لأنهما أداة معرفة علوم الدين والوحي، وإثبات العلوم السمعية ونقلها بين الناس، وأساس تقدم العلوم والمعارف والآداب والثقافات، ونمو الحضارة والمدنية.
4 -
من كرم الله تعالى وفضله: أن الإنسان ما لم يكن يعلمه، لينقله من ظلمة الجهل إلى نور العلم، فقد شرّفه وكرّمه بالعلم، وبه امتاز أبو البرية آدم على الملائكة، والعلم إما بالفكر والذهن، وإما باللسان، وإما بالكتابة بالبنان. قال قتادة: القلم نعمة من الله تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين، ولم يصلح عيش.
وفضائل الكتابة والخط كثيرة، فحيث منّ الله على الإنسان بالخط والتعليم، مدح ذاته بالأكرمية، فقال:{وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} أي علّم الإنسان بواسطة القلم، أو علّمه الكتابة بالقلم.
مع أنه سبحانه حين عدد على الإنسان نعمة الخلق والتسوية وتعديل الأعضاء الظاهرة والباطنة، وصف نفسه بالكرم قائلا:{يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ، ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ، فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار 6/ 82 - 7].
جاء في الحديث الصحيح: «أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما يكون إلى يوم القيامة، فهو عنده في الذّكر فوق عرشه»
(1)
.
وكانت أمّية الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تعليمه من الله أثبت لمعجزته بين العرب الأميين، وأقوى في حجته.
5 -
أخبر الله تعالى عن طبع ذميم في الإنسان وهو أنه ذو فرح وأشر، وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى، وكثر ماله.
لذا هدده الله وتوعده ووعظه ليضبط طغيانه ويوقف تهوره بإخباره بأنه إلى الله المصير والمرجع، وسيحاسب كل إنسان على ماله، من أين جمعه، وفيم صرفه وأنفقه.
(1)
تفسير القرطبي: 121/ 20